سورة القلم
  بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ ٦ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ٧ فَلَا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ ٨ وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ ٩
  والذي يظهر: أن حسن الخلق إحسان يدل على رغبة في الخير وحسن نية وكرم نفس، وسوء الخلق إساءة تدل على اللؤم أو محبة للشر أو سوء النية، ولهذا أمكن من سيء الخلق أن يعطي المال، ومع ذلك لا يصير من أهل حسن الخلق لأن عطاءه لم يدل على الرغبة في الخير وكرم النفس؛ لأنه عارضه سوء خلقه ووصف خلق رسول الله ÷ بالعظيم لعلو درجة أخلاقه الكريمة وكثرتها وكل واحد منها عظيم فصبره عظيم وحلمه عظيم وسخاؤه عظيم ورفقه عظيم ونفعه عظيم إلى غير ذلك، فخلقه عظيم تصغر عنده أخلاق كرام الناس ÷.
  وذكر الإمام الهادي # أن اللّه امتن على نبيه بقوله: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} أراد بذلك أنه أنعم عليه بحسن الخلق وعظمه، قلت: ولا يبعد أنها في مقابلة قول الكفار: إنه لمجنون؛ لأن حسن الخلق وعظمه يدل على رجاحة في العقل عظيمة لأجلها كان له من الحلم والصبر والتجمل (بالجيم) والتحمل للأذى في اللّه ما ليس لغيره مثله.
  (٥ - ٦) {فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ} سوف ترى يا محمد وسوف يرى الكفار من هو {الْمَفْتُونُ} وذلك يوم القيامة حين تنكشف الحقائق وتبلى السرائر ويحكم اللّه بين عباده، ويتبين لهم الذي يختلفون فيه، والمفتون إما المعذَّب، كما قال تعالى: {يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ}[الذاريات: ١٣] وهذا قول الإمام الهادي #، وإما المغلوب على عقله كما أفاده (صاحب الكشاف).