سورة القلم
  
  لصفات اللؤم المذكورة، فمن أجل أنه كان ذا مال وبنين ظهر فيه الجفاء والغلظة والهمز والنميمة والدناءة، في سبيل الحفاظ على ماله وولده، فهو بخيل جبان حريص رافض للعفة ومعالي الأمور كثير الكذب، فهو يحتاج إلى كثرة الأيمان ليصدق وأصل ذلك البطر.
  وبعد هذا التعليل بكونه {ذَا مَالٍ وَبَنِينَ} رجع الكلام في وصفه، فقال تعالى: {إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ} أي هي أساطير الأولين، قال الإمام الهادي #: «و {أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ} فهي أحاديث الأولين، وأحاديث الأولين فهي أقاويل المكذبين وأسمار المتحدثين، فنسب هذا الزنيم آيات الرحمن الرحيم إلى الأسمار والباطل والقول القديم الحايل» انتهى باختصار.
  قلت: وسمى هذه الأباطيل {أَسَاطِيرُ} لأنه عنى أنها مسطورة أي مكتوبة حفظت بعد الأولين بتسطيرها، والأساطير: جمع أسطورة، فهو مع لؤمه لا ينصف الحق إذا سمع الحجة، إنما يجيب بالتكذيب ومجرد الدعوى الكاذبة.
  (١٦) {سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ} إهانة له، والوسم: جعل السمة وهي العلامة في الدابة تكون ليبقى أثر الكي علامة فيها يميزها عن غيرها، قال الإمام الهادي: «و {الْخُرْطُومِ} الأنف وما والاه» قال #: «وإنما ذكر اللّه الخرطوم دون غيره؛ لأنه شيء لا يستر بثوب ولا يستتر عن المتوسمين؛ لأن الوجه بارز أبداً للناظرين» انتهى.
  وقد اتفق كلام الإمام الهادي # و (صاحب الكشاف) والراغب: أن هذا تمثيل، قال الراغب: «أي نلزمه عاراً لا ينمحي، كقولهم: جدعت أنفه، قال: و {الْخُرْطُومِ} أنف الفيل، فسمى اللّه أنفه خرطوماً استقباحاً له» انتهى. وقال (صاحب الكشاف): «وفي لفظ الخرطوم استخفاف به واستهانة» انتهى. ووجهه ما ذكره الراغب.