التيسير في التفسير،

بدر الدين بن أمير الدين (المتوفى: 1431 هـ)

سورة الحاقة

صفحة 207 - الجزء 7

  


  {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ} {يَوْمَئِذٍ} يوم القيامة حين يقع ما ذكر من أحوال الأرض والسماء، وهو تصوير لموقف السؤال كقوله تعالى: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا}⁣[الفجر: ٢٢] كما ذكر اللقاء لتمثيل موقف السؤال بموقف الحضور عند الملك للمناقشة على الطاعة والمعصية ثم الجزاء وهو سبحانه أعظم وأجل من أن يحيط به عرش أو غيره لأنه {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}⁣[الشورى: ١١] ولكن موقف السؤال يكون العبد فيه عند السؤال كالحاضر عند السائل وكأنه واقف بين يدي ملك الملوك فذكر العرش يفيد هذا التمثيل لما فيه من الموعظة والتخويف.

  وحيث أن الكلام مسوق للتمثيل على طريق المجاز، فلا مانع مع ذلك من أن تدل الآية الكريمة على ثبوت عرش في الآخرة يحشر الناس إليه ويكون قبلة لهم كبيت اللّه في الدنيا إذا لم يكن على معنى إثبات محل لله يكون فيه وعليه، بل مجرد قبلة كالكعبة يتجه الناس إليه بين مقرب ومبعد ومستظل بظلاله ومحروم، وقد جاء ذكره في الروايات عن النبي ÷ في (مجموع الإمام زيد بن علي @) وغيره، وهذا لأجل ذكر العدد لحملة العرش وتخصيص الثمانية، فلا يبعد هذا وإن كان ذكر الثمانية من المتشابه لعدم تحقيق هل هم ثمانية أفراد أو صفوف أو غير ذلك.

  (١٨) {يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ} {يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ} وهذا من التمثيل المناسب لحضور العرش؛ لأن الناس في موقف السؤال يشبهون رعية تعرض على ملكها، فهم كالمحضرين لديه ليسألهم عما كانوا يعملون {لَا تَخْفَى مِنْكُمْ} نفس {خَافِيَةٌ} وهذا كقوله تعالى: {يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لاَ يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ}⁣[غافر: ١٦] فهو الموقف الذي لا يخفى فيه صغير ولا كبير ولا عظيم ولا حقير ولا رجل ولا امرأة ولا بدوي ولا قروي.