سورة الحاقة
  هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ ١٩ إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ ٢٠ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ ٢١ فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ ٢٢ قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ ٢٣ كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي
  (١٩) {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ} وهنا إيجاز واقتصار على بعض ما يكون في موقف العرض، وهو ما يفيد المهم الذي هو تميز السعداء والأشقياء بما يقول كل من الفريقين حين يؤتى كتابه و {كِتَابَهُ} كتاب عمله من حسنات أو سيئات يؤتاه ليقرأه، كما قال تعالى: {وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا}[الإسراء: ١٣ - ١٤] والمؤمن يؤتاه بيمينه المناسبة لليمن فتسليمه له بيمينه كالبشارة له باليمن والخير، فإذا استبشر به، قال: {هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ} أي هاكم اقرأوا كتابيه يعرض كتابه ليقرؤه لسروره به، كما هو من طبيعة الإنسان إذا سر بشيء أن يخبر به، أو ليبشر به غيره من أمثاله، أو ليفخر به على أعداء اللّه أو غير ذلك.
  (٢٠) {إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ} تعليل لحصوله على هذه البشرى أو لسببها الذي هو التقوى والظن يستعمل في ما يقتضي الحذر فتفسيره بالخشية والخوف أقرب من تفسيره بالعلم اليقين واستعمال الظن بمعنى الخوف قريب؛ لأن الغالب عند العرب في المخوف أن يكون مظنوناً، والعلاقة هنا السببية في الأصل قبل استعماله في المخوف على الإطلاق.
  ووجه هذا: أنا لم نجده في القرآن يستعمل في المتيقن غير المخوف، هذا وقد حكى في (لسان العرب) عن بعض أهل اللغة أن الظن يستعمل بمعنى العلم الاستدلالي دون الضروري، وزعم بعض المفسرين: «أن الظن بمعنى العلم، يستعمل لإفادة أن الظن كان يقوم مقام العلم في إيجاب الحذر عند العقلاء» هذا معنى كلامه.