التيسير في التفسير،

بدر الدين بن أمير الدين (المتوفى: 1431 هـ)

سورة الحاقة

صفحة 209 - الجزء 7

  


  ولا أدري كيف يفيد ذلك، مع أنه قد صار معناه: العلم، فهو كما لو قال: إني علمت، ثم لا يحسن في المدح تشبيه العلم بالظن لأنه تحقير له، فالأقرب: حمله إما على الخوف والخشية، وعليه يحمل قول الشاعر:

  فقلت لهم ظنوا بألف مدجج ... سراتهم في الفارسي المسرّد

  لأن المقصود التخويف بألف مدجج لا الأمر باليقين؛ لأنه غير ممكن لأنه مستقبل والمخبر به واحد لا يعلم الغيب ولا حاجة إليه في الإنذار بألف مدجج، بل يكفي الخبر الجازم الموجب للخوف، وإما على اليقين الإستدلالي على أن ذلك حقيقة من معنى الظن في اللغة، كما هو ظاهر ما حكاه في (لسان العرب) حيث قال: «المحكم الظن شك ويقين، إلا أنه ليس بيقين عيان إنما هو يقين تدبر، فأما يقين العيان فلا يقال فيه: الأعلم».

  ثم قال في (اللسان): «التهذيب: الظن يقين وشك» ثم قال: «وفي التنزيل: {إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ} أي علمت، وكذلك قوله ø: {وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِّبُوا}⁣[يوسف: ١١٠] أي علموا يعني الرسل أن قومهم قد كذبوهم فلا يصدقونهم، وهي قراءة أبي عمرو وابن كثير ونافع وابن عامر بالتشديد، وبه قرأت عائشة وفسرته على ما ذكرناه» انتهى المراد.

  وفي (تفسير الإمام الهادي #) لقوله تعالى: {إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ} أي أيقنت في الدنيا {أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ} في هذا اليوم فأخذت له أهبته وعملت له عمله في دار الدنيا» انتهى المراد، وبهذا قوي التفسير بيقين التدبر، وفائدة العدول إليه عن لفظ (العلم) إشعاره بالتدبر، أي النظر والاستدلال الذي يحصل به الإيمان وحسن العاقبة.