سورة المزمل
  
  وفي الحديث الشريف: «سبعة تحت ظل العرش يوم لا ظل إلا ظله شاب نشأ في عبادة اللّه ø ..» الحديث رواه الإمام زيد بن علي في (المجموع) والإمام الهادي # في (الأحكام)، فالأقرب في {نَاشِئَةَ اللَّيْلِ}: أنها أوله حين يستتم ظلامه، كأنه شبّ وقوي فاشتدت وطأته على الناس ودعتهم إلى الراحة عن الأعمال والنوم مع تعب أعمال النهار، ففي هذه الحالة يتهيأ فراغ البال للعبادة وتدبر آيات القرآن؛ لأنه في هذا الوقت يخلو للعبادة ولا يكون مظنة أن يأتيه من الكفار من يشغله ويشوش عليه ذهنه بالأذية والتكذيب، فكانت ناشئة الليل {أَقْوَمُ قِيلًا} تستقيم فيها التلاوة وتبعد عن السهو والغلط، وهي أفضل من غيرها في هذا المعنى.
  فإن قيل: إن الناس في تلك الساعة يميلون إلى النوم، ورسول الله ÷ من الناس، فكيف لا يميل إلى النوم ويشغله النعاس عن إتقان القراءة وتدبر القرآن؟
  والجواب: أن الفرق بينه وبين أهل مكة في ذاك الوقت فرق ظاهر، فهم مقبلون على أعمال الدنيا غافلون عن اللّه، أما رسول اللّه فهو شديد الرغبة في العبادة، شديد الخوف من اللّه، عالي الهمة، قلبه معلق بذكر اللّه، فحين قد أمر بقيام الليل فهو مشمر لطاعة اللّه بقلبه وبدنه، فهو بعيد عن النوم مع أنه ليس يتعبه الكد في أعمال الدنيا، ولا ممن يكثر الأكل فهو مخالف لهم في كل معنى.
  فإن قيل: فما فائدة الترغيب في تلك الساعة مع وجوب قيام نحو نصف الليل أو النصف أو أكثر؟
  قلت: ليزيد اهتمامه بها واستعداده لها، كما فضلت العشر الأواخر من شهر رمضان مع فضله كله، وذلك عند حدوث الأعذار التي ترخص في ترك القيام مثل المرض الخفيف الذي يستطيع معه قيام ناشئة الليل.