سورة المزمل
  
  {عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ} هذا تعليل للتيسير بقراءة ما تيسر؛ لأنه كان يكفي في التخفيف مع كثرة القرآن قراءة ما أمكن إلى نحو نصف الليل، ولكن اللّه سبحانه رخص بإجزاء ما تيسر، لعلمه بما سيكون من ضعف المصلين بسبب المرض أو الضرب في الأرض أو القتال في سبيل اللّه.
  وفيه فائدة: أن العلة لا تخصص الحكم العام ولا تقيد المطلق، وفيه: دلالة على إباحة الضرب في الأرض لحاجة الإنسان يبتغي نيلها بالسفر كطلب العلم وهو أهم المطالب.
  وفي ذلك: دلالة على أن حديث: «لا تشد الرجال إلاَّ إلى ثلاثة مساجد» الحصر فيه إضافي بالنسبة للصلاة أي لا تشد الرحال للصلاة في مكان لفضله إلا إلى الثلاثة المساجد، وليس هذا من العموم والخصوص؛ لأن قرائن إرادة الحصر الإضافي كثيرة مقارنة للكلام حيث كانوا يشدونها للحاجات، وخلقت لذلك الإبل كما في قوله تعالى: {خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ ..} الآية [النحل: ٥ - ٧] وقوله تعالى: {خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ ..}[يس: ٧١ - ٧٢] وآيات عديدة، وقد كتبت في هذا رسالة مستقلة بعنوان (مسألة شد الرحال) وفي الإتيان بلفظ الجمع مرضى وآخرون وآخرون مكرراً ما يشعر بأن الأصل في الصلاة الجماعة، وخصوصاً بعد قوله تعالى: {وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ}.