سورة المزمل
  
  {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} هكذا يحوَّل اهتمامهم الذي كان للواجب المنسوخ إلى الاهتمام بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، ففي آيات الصدقة عند مناجاتهم لرسول الله ÷: {فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ}[المجادلة: ١٣] وفي (سورة النساء): {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ}[آية: ٧٧] وذلك تقوية للهمم لأهمية الصلاة والزكاة، واحتياج المكلف إلى عناية تامة لإقامة الصلاة، بالمحافظة على أوقاتها وطهارتها وشروطها وفروضها وإخلاصها وخشوعها، في حالات المكلف المختلفة في تعبه وفتوره ونشاطه وقوته وضعفه وصحته ومرضه، وإنما يختلف التكليف فتصير إقامة الصلاة في السفر والمرض بإتمام الواجب فيهما في وقت الصلاة فيهما، وكذلك الزكاة يحتاج المكلف فيها إلى عناية تامة؛ لئلا ينقص منها شيئاً، والتقصير فيها يكون لأسباب مرجعها إلى الشح والتسهيل وقلة المبالاة بأمر الله.
  {وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا} هذا في الإنفاق غير الزكاة كالإنفاق في سبيل الله، قال الإمام الهادي #: «فشبهه بالسلف الذي لابد من قضائه وتسليم مثله إلى صاحبه وإعطائه، فعلى هذا المعنى: جاز أن يسمى ما تقرب به إليه سلفاً إذ كان بالمجازاة لهم عليه مرصداً ومضاعفاً» انتهى المراد.
  {وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} وهذا فتح لباب التطوع وترغيب في الاستكثار منه، وهو ترغيب عظيم حيث جعل المنفَق تقديماً لنفس المنفِق.
  وقوله: {تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا} يظهر منه: أنه سبحانه يربي الصدقة، كما جاء في الحديث: «فيربيها حتى تصير اللقمة مثل أحد» ولفظه: «فيربيها كما يربي أحدكم فُلُوَّه أو فصيله، حتى تصير اللقمة مثل أحد» انتهى.