التيسير في التفسير،

بدر الدين بن أمير الدين (المتوفى: 1431 هـ)

سورة النبأ

صفحة 354 - الجزء 7

  ١٩ وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا ٢٠ إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا ٢١ لِلطَّاغِينَ مَآبًا ٢٢ لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا ٢٣ لَا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلَا شَرَابًا


  وفي ذكر {الْفَصْلِ} إشارة إلى دليل على صدق الوعد به، وهو الدليل العقلي أنه لابد في حكمة اللّه العزيز الحكيم من الإنصاف بين الظالمين والمظلومين، والفرق بين المسيء والمحسن، وكما قال تعالى: {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ}⁣[القلم: ٣٥] و (الميقات): الموعد المحدد في علم اللّه وهو موعد لابد منه.

  (١٨) {يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا} {يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ} يوم الصيحة، قال تعالى: {يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ}⁣[ق: ٤٢] {فَتَأْتُونَ} موقف الحساب والفصل بين العباد، تأتونه: تجيئون إليه منقادين مستسلمين {أَفْوَاجًا} جماعات كبيرة لكثرة من يحشر.

  (١٩) {وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَابًا} لكثرة فطورها وشقوقها عند تمزقها.

  (٢٠) {وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا} وذلك بعد أن تدكها الرجفة تنسف نسفاً حتى تطير في الهواء غباراً، ثم ترق حتى تصير كالسراب، والسراب: شيء يرى في القاع الواسع مع شعاع الشمس وحرها فيه يخيَّل لرائيه من بعيد أنه ماءٌ، وهذه الأهوال مقدمة أمر الآخرة، المقصود منها الذي هو جزاء الطاغين والمتقين، فلذلك رتب على ذكرها قوله تعالى: {إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا}

  (٢١) {إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا} المرصاد والمرصد في الأصل: هو المكان الذي يأتيه العدو فينتظره عدوه فيه؛ لأنه طريقه ليس له طريق غيره يفوته منه، أو أنه المكان الذي لابد أن يجيئه، فإذا جاء ظفر به فقتله أو أسره، قال تعالى: {وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ}⁣[التوبة: ٥] فالمعنى: أن الطاغين يأتون جهنم ولا يجدون عنها محيصاً، والجزاء والعذاب قد أعد لهم فيها، كما يستعد الراصد لعدوه في المرصد.