التيسير في التفسير،

بدر الدين بن أمير الدين (المتوفى: 1431 هـ)

سورة النبأ

صفحة 355 - الجزء 7

  ٢٤ إِلَّا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا ٢٥ جَزَاءً وِفَاقًا ٢٦ إِنَّهُمْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ حِسَابًا ٢٧ وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّابًا ٢٨ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَابًا


  (٢٢) {لِلطَّاغِينَ} للعصاة المتمردين المتكبرين {مَآبًا} مرجعاً ومصيراً، وسميت مَآبًا إما لأن الآخرة يرجعون فيها إلى الحياة إلا أن محل رجوعهم إلى الحياة هو جهنم، وإما لأن مسكن الإنسان يسمى مئاباً لأنه يئوب إليه لأنه مسكنه.

  (٢٣) {لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا} {لَابِثِينَ} مقيمين فيها {أَحْقَابًا} جمع حَقْب، قال الإمام الهادي #: «الأحقاب: الدهور الدائمة، وقيل: إن واحد الأحقاب حقب، وأن الحقب ثمانون سنة، فإن يكن ذلك كذلك فهي أحقاب متوالية متواترة متصلة لا آخر لها ولا انقطاع ولا فراغ لمدتها ولا فناء؛ لأن اللّه سبحانه ذكرها أحقاباً، ولم يذكر لها غاية ولامدى، فدل ذلك على أنها أبداً دائماً سرمداً» انتهى.

  قلت: هي مجمل فسره الآيات الكريمة في مواضع عديدة من القرآن، كقوله تعالى: {كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ}⁣[البقرة: ١٦٧] وقوله تعالى: {كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا}⁣[النساء: ٥٦] وقوله تعالى: {وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ}⁣[إبراهيم: ١٧] وغيرها، هذا والآية الكريمة قد دخل فيها المكذبون بالنبأ العظيم دخولاً أولياً، أو هي خاصة بهم بشهادة سياق الكلام من أول السورة وما يأتي فيهم، فلا يصح جعلها خاصة بغيرهم.

  (٢٤) {لَا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلَا شَرَابًا} فلا يخفف عنهم عذابها، ولعله كناية عن حرمانهم من كل خير، فقد كان البرد والماء في الدنيا من أيسر الحاجات فإذا حرموه فبالأولى غيره.