سورة النبأ
  وَلَا كِذَّابًا ٣٥ جَزَاءً مِنْ رَبِّكَ عَطَاءً حِسَابًا ٣٦ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الرَّحْمَنِ لَا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَابًا ٣٧ يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ
  فأفاد # أنه ليس من معنى (الكأس) أن يكون فيها خمر، بل أي مشروب لذيذ، ولا أن تكون من الزجاج خلاف ما يفهمه (الكشاف) في تفسير (سورة الصافات) ولعل الخمر يكون هو المعنى مع التأنيث؛ لأنها تؤنث بخلاف الماء والعسل واللبن، ففي قوله تعالى: {كَانَ مِزَاجُهَا}[الإنسان: ٥] يفسر بالخمر، وكذا في قوله تعالى: {بَيْضَاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ}[الصافات: ٤٦] أما مع عدم التأنيث فتصلح للكل، ولكن وصفها هنا بأنها (دهاق) أي مملوءة يشير إلى أنها شيء عزيز في الدنيا قلما يملأ منه الكأس لعزازته، وكان الخمر يتلف أموال بعضهم على ما بأنفسهم من الشح بالمال، فلعلهم كانوا يشربون منها بمقدار اقتصاداً في الإنفاق، فالأرجح أن الكأس هنا الخمر - والله أعلم، أو الخمر تارة والعسل تارة، وهذا إذا لم يكن الضمير الآتي راجعاً إلى الكأس، فأما إن كان راجعاً إلى الكأس فهو الخمر بغير تردد.
  (٣٥) {لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا كِذَّابًا} الضمير إما للجنة؛ لأن السياق قد أفادها، أو لقوله تعالى: {وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا} وإما للكأس، والمعنى: أنها خلاف خمر الدنيا التي يشربها الفساق ويقترن شربها باللغو والكلام الفاحش وتكذيب بعضهم لبعض لعباً ومجوناً كما قيل في المنافقين تحيتهم لعنة، وقد اقترن بذكر شراب الجنة هذا الوصف في (سورة الطور) قال تعالى: {يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْسًا لاَ لَغْوٌ فِيهَا وَلاَ تَأْثِيمٌ}[آية: ٢٣] والراجح: الجمع بين المعنيين، فالضمير للجنة، وقرن بذكر الكأس لئلا يتوهم اللغو عند شربها في الجنة، فلا لغو مع شربها لأنهم لا يسمعون في الجنة لغواً.