التيسير في التفسير،

بدر الدين بن أمير الدين (المتوفى: 1431 هـ)

سورة النازعات

صفحة 371 - الجزء 7

  


  (١٣) {فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ} أي استبعادكم للقيامة بقولكم: {أَئِنَّا لَمَرْدُودُونَ} وتكذيبكم باطل، فإنها لا تصعب على اللّه أصلاً إنما هي زجرة واحدة، قال الراغب: «الزجر: طرد بصوت، قال: ثم يستعمل في الطرد تارة وفي الصوت أخرى، قال: واستعمال الزجر فيه [أي في الطرد] لصياحهم بالمطرود، نحو أن يقال: أعزب وتنحّ ووراءك» انتهى.

  وفي (لسان العرب): «الزجر: المنع والنهي والانتهار - ثم قال -: وزجرت البعير حتى ثار ومضى أزجره زجراً، وزجرت فلاناً عن السوء فانزجر وهو كالردع للإنسان، وأما للبعير فهو كالحث» انتهى المراد، فالزجرة هنا إما مجاز عن إعادة الموتى وإثارتهم من قبورهم كما عبر عنه بقوله كن، وإما مجاز عن الصيحة الثانية.

  (١٤) {فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ} فإذا هؤلاء المكذبون بالقيامة، أو {فَإِذَا هُمْ} أي الأموات كلهم {بِالسَّاهِرَةِ} والسهر: الأرق، أي عدم النوم في وقته أو في وقت الحاجة إليه أي في الليل.

  ولكن المفسرين اختلفوا في (الساهرة) فقيل: وجه الأرض، وقيل: هي أرض القيامة، وفي (الكشاف): «الأرض البيضاء المستوية ويظهر: أن هذه المعاني ترجع إلى التشبيه بالسهر كما ذكروا، فالأقرب: أن الساهرة: هي أرض الموقف موقف الحساب، لتكون هذه الآية كقوله تعالى: {إِنْ كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ}⁣[يس: ٥٣] وأن المراد: سهر أهلها مثل: {عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ}⁣[الحاقة: ٢١] كالإشارة إلى حالتهم التي يقولون فيها: {يَاوَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا}⁣[يس: ٥٢] وإثبات السهر كناية عن شدة الأمر عليهم؛ لأن الإنسان يسهر للشدة في بدنه أو في نفسه، قال امرؤ القيس: