سورة النازعات
  
  أما حكاية القصة على التفصيل فهي من دلائل النبوة؛ لأنهم إذا شاءوا سألوا أهل الكتاب وعرفوا مطابقتها لما عندهم.
  وقوله تعالى: {هَلْ أَتَاكَ} فيه تنبيه لابتداء الحديث ليستمع له ويفرغ له ذهنه {نَادَاهُ} دعاه {يَامُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ ..} إلى آخر الآيات من (سورة القصص) [من آية: ٣٠] والنداء بجهر الصوت ورفعه كما قدمت، وقوله: {طُوًى} اسم الوادي {الْمُقَدَّسِ} الذي أوحى اللّه فيه إلى موسى وناداه، وقد اختصر هنا ذكر ما نادى به فذكر إرسال موسى {اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى} أي اذهب لإنذاره ودعوته إلى ترك الطغيان وإلى الهدى.
  (١٨) {فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى} {فَقُلْ} له {هَلْ لَكَ} أي اعرض عليه أن ترشده إلى أن يزكى، كأنه قيل: هل لك أن تتوجه إلى تزكية نفسك أو ترجع إلى تزكية نفسك، وأصل {تَزَّكَّى} بتشديد الزاي أو تخفيفها {تَزَكَّى} أي تزكى نفسك وتزكية النفس إصلاحها، وقد فسر (التزكي) بالتطهر من أدران الطغيان، والأقرب عندي: أنه تفسير باللازم، بدليل قوله تعالى: {تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا}[التوبة: ١٠٣] وقوله تعالى: {ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ}[البقرة: ٢٣٢].
  (١٩) {وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى} {وَأَهْدِيَكَ} معطوف على {تَزَكَّى} فهو داخل في العرض، تعرض يا موسى على فرعون الجاهل بربه الغافل عنه الآبق منه أن تهديه إلى ربه فيخشى عذابه، لما هو عليه من الطغيان، وقل له هذا القول اللين الرفيق الذي هو قول الناصح الشفيق.
  وقوله: {وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ} أعرّفك الطريق لترجع إليه، وطريق الرجوع إليه: هي الإيمان المسبب للخشية، فالتخلص من الطغيان وتعريفه الطريق تنبيهه وتبيين الأدلة له الموصلة إلى الإيمان بالله ورسله واليوم الآخر، والمؤدية إلى الخشية وتقوى اللّه وذلك هو الرجوع إلى اللّه.