سورة النازعات
  
  {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى} لأنه ينذر المكذبين لرسول الله ÷ أن يؤخذوا كما أخذ فرعون فهو محل قياس لأن الأصل تكذيب فرعون وتمرده وإصراره بعد وضوح الحق، والفرع تكذيب المكذبين لمحمد رسول الله ÷ وتمردهم وعنادهم وإصرارهم، والعلة الجامعة أن كلاً منهما رسول من اللّه جاء بالآيات البينات من اللّه، والحكم استحقاق الآخذ من اللّه وكونه متوقعاً ثم وقوعه إن لم يتوبوا، فالعبرة عبور حكم الأصل إلى الفرع أو هي العلة الجامعة التي بها يعرف عبور حكم الأصل إلى الفرع وهذا أقرب، وفي كلام الإمام علي #: «ما أكثر العبر وأقل الاعتبار».
  ولما انتهى حديث موسى وما فيه من الإنذار للمكذبين بالآخرة المكذبين بالنذر رجع الكلام إلى الاحتجاج على المكذبين بالآخرة القائلين: {يَقُولُونَ أَئِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا نَخِرَةً}.
  فقال تعالى: {أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا} إلى قوله تعالى: {مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ} وهذا كقوله تعالى: {لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ}[غافر: ٥٧] فالمعنى: ءأنتم يا منكري البعث ومستبعدي القدرة عليه أنتم أشد وأصعب خلقاً أم السماء والأرض، فقد قدر سبحانه وتعالى على خلق السماء والأرض، فكيف لا يقدر على خلقكم، ولعل تسمية خلق السماء بناء إشارة إلى أنه تعالى جعلها سقفاً، قال تعالى: {الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً}[البقرة: ٢٢] وقال تعالى: {وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا}[الأنبياء: ٣٢] ولا يبعد أنها مركبة تركيب البناء مؤلفة منظمة فسميت {بِنَاءً} لذلك - والله أعلم.