سورة عبس
  
  وقد قال (صاحب الكشاف) في تفسير {اسْتَغْنَى} في قول اللّه تعالى: {وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى}[الليل: ٨]: «وزهد فيما عند اللّه، كأنه مستغن عنه فلم يتقه، أو استغنى بشهوات الدنيا عن نعيم الجنة» انتهى المراد.
  وقالوا في قول الشاعر:
  كلانا غني عن أخيه حياته ... ونحن إذا متنا أشد تغانيا
  التغاني: استغناء كل منهما عن الآخر، وفي (نهاية ابن الأثير): «وفي حديث الجمعة: «من استغنى بلهو أو تجارة استغنى اللّه عنه والله غني حميد» انتهى المراد، وفي (كنز العمال): أنه أخرجه ابن عدي، والدار قطني، وابن ماجه و (ز) - لعله البزار - كما ذكره مؤلف (الكنز) كلهم عن جابر، وأنه أخرج رواية أخرى الطبراني في (الأوسط) عن أبي هريرة، ورواية أنه أخرجه الدار قطني في (الأفراد) عن ابن عباس.
  فظهر: أن معنى {اسْتَغْنَى} لم يجد حاجة إليه، أي رأى أنه غير محتاج إليه، ولهذا لحقه الوعيد في قوله تعالى: {وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى}[الليل: ٨] وهذا معنى الغنى الأصلي، قال في (النهاية): «الغني: الذي ليس بمحتاج» انتهى، ولذلك يقال: «الغنى غنى النفس» أي القناعة.
  وفي قوله تعالى: {أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى} إلى قوله: {فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى} تسلية لرسول الله ÷ عن المتمردين، بأنهم مستغنون لا يريدون تعليمه وإرشاده، وإنما يشغلونه عمن ينتفع به ليجعل اهتمامه بإرشاد من يقبل دون من هو كاره متمرد.
  (١١ - ١٢) {كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ} زجر إما للعابس المتولي؛ لأن رسول الله ÷ أرسله الله ليهدي الناس ويذكرهم، والأولى به من يتبعه لا المتكبرون.