التيسير في التفسير،

بدر الدين بن أمير الدين (المتوفى: 1431 هـ)

سورة التكوير

صفحة 402 - الجزء 7

  


  ألا ترى أن في (سورة النازعات) قدم قوله تعالى: {يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الإِنسَانُ مَا سَعَى}⁣[النازعات: ٣٥] قبل قوله: {وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرَى}⁣[النازعات: ٣٦] وهنا قدم: {وَإِذَا الْجَحِيمُ} {وَإِذَا الْجَنَّةُ} على قوله تعالى: {عَلِمَتْ نَفْسٌ} فالأقرب: أن هذا العلم هو العلم بخبره أحسنٌ أم قبيح أنافع أم ضار، وعلى هذا: تصلح {مَا} أن تكون هي الاستفهامية؛ لأن السؤال عن العمل هو باعتبار قيمته وخبره يومئذ أنافع أم ضار.

  (١٥ - ١٦) {فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ ۝ الْجَوَارِ الْكُنَّسِ} أي أفلا أقسم بالخنس، وفي (تفسير الشرفي): «عن محمد بن القاسم @: والخنس - والله أعلم - النجوم الخمسة والقمر والشمس، فمن النجوم الجارية وجريها تحريكها في الفلك بأنفسها، وخنوس ما خنس منها: رجوعها إذا بلغت الشمس إلى الدرجات التي خلفت من ورائها، والخنوس في لسان العرب: الرجوع إلى وراء بعد السير قُدُماً، والخنوس - والعلم عند اللّه - الذي هو الرجوع بعد الاستقامة لا يذكر به شيء من النجوم إلا هذه الخمسة من زحل والمشتري والمرّيخ وعطارد والزهرة، فإن هذه الأنجم الخمسة قدر اللّه سيرها بالجري والإقبال حتى إذا جرت في المنازل والبروج، حتى تكون في البروج الذي يواجه برج الشمس، وكادت أن تجتمع هي والشمس رجعت متحيرة في سيرها خانسة بالجري والرجوع إلى ما خلّفت من ورائها، ولكل نجم منها درج معلومة إذا بلغها وقرب من الشمس رجع عند بلوغه لها عن الشمس متحيراً خانساً راجعاً إلى ما خلفه مدبراً حتى يتغيب عن الشمس في الرجوع إلى ما ورائه من البروج، وهذا المغيب عن الشمس - والله أعلم - فهو الكنوس، وكلما غاب من شيء وتنحى في اللسان العربي دعي كانساً تقديراً قدّره اللّه فيها من أحكم التقدير، وتدبيراً منه في سيرها دبره لعجيب من الأمور، وقد يمكن - والله أعلم - أيضاً أن يكون من الجوار الخنس الكنس النجوم التي تغيب وتطلع بحساب الأوقات والأزمان وعلم الحر والبرد والأمطار» انتهى.