التيسير في التفسير،

بدر الدين بن أمير الدين (المتوفى: 1431 هـ)

سورة الغاشية

صفحة 472 - الجزء 7

  


  قال في (الكشاف): «خلقاً عجيباً، دالاً على تقدير مقدر، وتدبير مدبر، حيث خلقها للنهوض بالأثقال وجرها إلى البلاد الشاحطة، فجعلها تبرك حتى تحمل عن قرب ويسر، ثم تنهض بما حملت منقادة لكل من اقتادها بأزمّتها، لا تعازّ ضعيفاً ولا تمانع صغيراً، وبرأها طوال الأعناق لتنوء بالأوقار [أي عند النهوض من مباركها] وعن بعض الحكماء: أنه حُدّث عن البعير وبديع خلقه وقد نشأ في بلاد لا إبل فيها، ففكر - ثم قال -: يوشك أن تكون طوال الأعناق، وحين أراد بها أن تكون سفائن البرّ صبَّرها على احتمال العطش حتى أن أظماءها لترتفع إلى العشر فصاعداً، وجعلها ترعى كل شيء نابت في البراري والمفاوز مما لا يرعاه سائر البهائم» انتهى المراد.

  قوله: «صبّرها على احتمال العطش» قيل: أنها تشرب في المرة الواحدة كثيراً يعينها على السفر مع فقدان الماء، وقيل: إن في السنام دسومة تمد الجسم عند السفر الطويل - والله أعلم - وقد كفى في الآية ما يرون ويشاهدون من كيفيتها.

  (١٨) {وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ} يقول سيد قطب في (تفسيره): «وتوجيه القلب إلى السماء يتكرر في القرآن وأولى الناس بأن يتوجهوا إلى السماء هم سكان الصحراء، حيث للسماء طعم ومذاق وإيقاع وإيحاء، كأنما ليست السماء إلا هناك في الصحراء، السماء بنهارها الواضح الباهر الجاهر، والسماء بأصيلها الفاتن الرائق الساحر، والسماء بغروبها البديع الفريد الموحي، والسماء بليلها المترامي ونجومها المتلألئة وحديثها الفاتر، والسماء بشروقها الجميل الحي السافر، هذه السماء ... في الصحراء ... أفلا ينظرون إليها ..» الخ.