التيسير في التفسير،

بدر الدين بن أمير الدين (المتوفى: 1431 هـ)

سورة الفجر

صفحة 480 - الجزء 7

  ١٥ وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ ١٦ كَلَّا بَلْ لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ ١٧ وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ ١٨


  (١٣) {فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ} ضربهم من فوقهم بسوط عذاب، والسوط: عصى، وشبه عذابهم بضربة سوط؛ لأنه العذاب الأدنى وهو يسير في جنب عذابهم المعد لهم في الآخرة العذاب الأكبر، وعذابهم معروف مشهور، أهلكت عاد بالريح، وثمود بالصيحة، وفرعون بالغرق.

  (١٤) {إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ} هذا تمثيل كالراصد لعدوه في مكان ليأخذه، قال تعالى: {وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ}⁣[التوبة: ٥] فهو سبحانه معِد للظالمين أخذه إذا جاء أجلهم.

  (١٥) {فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ} إذا ما ابتلاه اختبره بالإكرام وبتوسعة الرزق، فجعله ذا نعمة أي في لين عيش وخصب {فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ} لا ينظر إلى أن اللّه ابتلاه من فضله ابتلاء أيشكر أم يكفر، بل اعتبر ذلك إكراماً له فحسب، وجعل المقصود به إكرامه لم يقل: {هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ}⁣[النمل: ٤٠] ولم يفكر في الشكر؛ لأنه لا يهمه إلا الدنيا، ويحتمل {أَكْرَمَنِ} جعلني كريماً شريفاً في الناس؛ لجهله أن الكرم بالتقوى والإحسان لا بالمال.

  (١٦) {وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ} {ابْتَلَاهُ} بتقدير {رِزْقَهُ} وتقليله، في (تفسير محمد بن القاسم #): «وقدره عليه أن لا يبسطه ولا يوسعه» اهـ.

  {فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ} غافلاً عن كونه ابتلاء، وأن المقصود الاختبار له أيصبر، وإن الإنسان قد يكون عند اللّه كريماً ولا يريد إهانته، ولكنه أراد أن يبتليه ليثيبه إذا صبر، ويعطيه في الآخرة بغير حساب، فعليه أن يفهم أنه ابتلاء، وأن يصبر ولا يعتبره إهانة له، والحاصل: أن الإنسان لفرط حبه للمال وتعظيمه له في نفسه لا يهمه إلا المال، ولا يرى الكرامة إلا فيه.