التيسير في التفسير،

بدر الدين بن أمير الدين (المتوفى: 1431 هـ)

سورة الفجر

صفحة 482 - الجزء 7

  


  (٢٢) {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} في (تفسير محمد بن القاسم @): «وما ذكر اللّه من مجيئه فهو مجيء أمره ونقمته، وظهور ما يظهر من عظيم آياته، وما يكون يومئذ من عقاب أهل معصيته، فلما بدا من آيات اللّه العظام في يوم القيامة ما كان لا يعاين ولا يُرى من فعله في دار الدنيا، فرأى الخلق يومئذ من أخذ اللّه بانتقامه للعاصين وشدة زلزال بطش عقاب اللّه بالظالمين ما لم يكونوا في دار الدنيا يرون، جاز أن يسمى اللّه تبارك وتعالى كما يرون ويسمعون إتيان أمره أو آياته عند أخذه لأهل معصيته لشدة بأسه وعقابه وما يصير إليه من أطاعه من كريم ثوابه إتياناً منه، إذ كان ما ظهر في ذلك كله من الآيات العظام إنما كان بقدرته وعنه، وذلك مفهوم في لسان العرب عند من كان ذا لبّ قد يقولون اليوم في مفهوم اللسان بينهم عندما يكون من سطوات ملوكهم فيهم، وعند حلول جنود ملوكهم بمن يعصيه جاء القوم ما لا يطيقون حين يسطوا جنود ملكهم بهم في الدنيا ويقولون جاءهم الملك والخليفة، وإنما جاءتهم جنوده المبعوثة ..» إلخ.

  وبعبارة أخرى لما كانوا في الدنيا في دار الاختبار كأنه غائب عنهم إذ تركهم يعملون ما شاءوا بلا سؤال في الدنيا ولا حساب، كما أنه كان كالمشغول عنهم بحيث عبر عن أمر الآخرة بقوله تعالى: {سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلاَنِ}⁣[الرحمن: ٣١].

  فلما كان يجمعهم ويعرضون عليه صفاً ويسألهم عما كانوا يعملون، ويبين لهم الذي يختلفون فيه، ويحكم بينهم ويحاسبهم ويجازيهم، ويميّز بينهم، ويأمر ببعضهم إلى الجنة وبعضهم إلى النار، وهم يومئذ في مقام ذلة وخضوع وهيبة واستسلام، كان شأنه في ذلك الموقف شأن الملك الحاضر بعد غيابه الذي جاء ليحكم بينهم وفيهم، ويجزي كل نفس بما تسعى، فعبر عن ذلك بقوله تعالى: {وَجَاءَ رَبُّكَ} وقوله تعالى: {وَالْمَلَكُ} أي وجاء الملك حال كونهم صافين صفاً بعد صف.