التيسير في التفسير،

بدر الدين بن أمير الدين (المتوفى: 1431 هـ)

سورة البلد

صفحة 494 - الجزء 7

  


  وفيه: «الاقتحام توسط شدة مخيفة» انتهى، وهو تمثيل لما فسره به في قوله تعالى: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ ۝ فَكُّ رَقَبَةٍ ۝ أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ ۝ يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ} (فك الرقبة): تخليصها من الرق، وهو يصدق على إعتاق العبد وإعتاق الأمة وتسليم ما به يعتقان من مال الكتابة الذي لا يخرجان من الرق إلا به، وهذا ثقيل على النفس من أجل شحها بالمال، واعتبار ذلك غرامة، وكذلك الإطعام في يوم ذي مجاعة، والسغب: الجوع وفي يوم الجوع يكون الطعام عزيزاً يشتد البخل به، وفائدة الإطعام فيه كبيرة للمطعِم والمطعَم.

  {ذَا مَقْرَبَةٍ} أي يطعم يتيماً ذا قربى في النسب، فإطعامه صلة رحم عظيمة لعظم موقع الإطعام في المجاعة، ولكون ذي المقربة أحق ولا يختص هذا باليتيم الذي ليس [له] مال، ولكنه المحتاج إلى الإطعام ولو لتبقى له رقاب ماله، ولعله خص القريب لأن القريب قد يطمع في مال قريبه لمجاورته أو قربه من داره أو نحو ذلك، فكان إطعامه ليستغني عن بيع ماله فضيلة وقمعاً لشرَه النفس وفيه مشقة زائدة لتفويته الغرض النفسي.

  (١٦) {أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ} {ذَا مَتْرَبَةٍ} شديد الحاجة يتصل بالتراب لقلة كسوته وفراشه أو عدم ذلك، وأصل (المسكين) المحتاج إلى الطعام وغيره لشدة فقره، وقال الإمام الهادي # في (الأحكام): بلغنا عن رسول الله ÷ أنه قال: «ليس المسكين هذا الطواف عليكم ترده التمرة والتمرتان واللقمة واللقمتان» قالوا: فمن المسكين يا رسول الله؟ قال: «الذي لا يجد غنى يغنيه، ولا يفطن له فيتصدق عليه، ولا يقوم فيسأل الناس» انتهى.

  وهو يشعر بأن المسكين هو في اللغة: شديد الفقر، فبين: أن شديد الفقر هذا الذي لا يفطن له أي حاله خفية لا تظهر بغير تأمل، ولولا هذا التفسير لانسد باب معرفة المسكين.