سورة البلد
  بِالْمَرْحَمَةِ ١٧ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ ١٨ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا هُمْ أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ ١٩ عَلَيْهِمْ نَارٌ مُؤْصَدَةٌ ٢٠
  وليس المراد: أن السائل الذي لم يعط ليس مسكيناً، وإنما المراد: السائل الذي يعطى، ولذلك قال: «ترده اللقمة واللقمتان» أي فهو يعطى من هنا وهناك، والحديث خارج مخرج المجاز الذي تنفى فيه الحقيقة تجوزاً، كقول الشاعر:
  ليس من مات فاستراح بميت ... إنما الميت ميت الأحياء
  ولذلك قالوا: فمن المسكين - وهم عرب - أو هو مبني على أن الذي يسأل لابد أن يعطى لصلاح المجتمع يومئذ، فهو يخرج عن المسكنة بما يعطى لا بنفس السؤال، فظهر الردّ على الإنسان المفتخر بإنفاق المال، بأنه لم ينفق في الخير الذي يدل على كرم المعطي الذي يدل على رحمته للضعيف، ورغبته في الإحسان من حيث هو إحسان، إنما أنفق في لذاته وهوى نفسه وطلباً للسمعة وذلك غير محمود، إنما المحمود غيره ولو اقتحم العقبة لكان مفخرة له.
  (١٧) {ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ} هنا مشكلة الإتيان بـ (لا) في قوله: {فَلاَ اقْتَحَمَ} دون قوله: {ثُمَّ كَانَ} لم يقل: (ولا كان) والحل: أن نقدر (الهمزة) في {فَلاَ اقْتَحَمَ} أي: أفلا اقتحم، أي أن الفخر في اقتحام العقبة إن كان يريده، ونظيره في المعنى قول الشاعر:
  تعدون عقر النيب أكبر مجدكم ... بني ضوطر لولا الكمي المقنعا
  وقد ذكر تقدير (الهمزة) في كتاب (إعراب القرآن) للدرويش عن بعضهم وضعّفه، ولا وجه لتضعيفه إلا دعوى: أنه لا دليل عليه، وهي مردودة بأن السياق يرشد إليه؛ لأنه رد لافتخار الإنسان بغير حق.