التيسير في التفسير،

بدر الدين بن أمير الدين (المتوفى: 1431 هـ)

سورة البينة

صفحة 544 - الجزء 7

  تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ ٨


  القرآن في سور متعددة، ولذلك قال القاسم والناصر: «المؤمن: الذي يؤمن نفسه من عذاب اللّه» وقوله تعالى: {وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} يؤكد ذلك؛ لأن العمل لا يصلح إلا مع التقوى؛ لقول اللّه تعالى: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ}⁣[المائدة: ٢٧] فالمعاصي كالآفة التي تصيب الزرع فتمنع من صلاحه، ولهذا كان الذين آمنوا وعملوا الصالحات {خَيْرُ الْبَرِيَّةِ} لصلاحهم وطهارتهم، وشرفهم بالعقل والإيمان والعمل الصالح.

  (٨) {جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ} {جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} {جَزَاؤُهُمْ} على الإيمان والعمل الصالح {عِنْدَ رَبِّهِمْ} عنده حال كونهم عنده، كقوله تعالى: {فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ}⁣[القمر: ٥٥] أو حال كون الجزاء عند ربهم أي معداً لهم، وإذا كان المعنى المراد هو الأول، فعلى معنى التقريب والكرامة والرضوان، لا الحلول في المكان؛ لأن اللّه سبحانه لا تحويه الأمكنة {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}⁣[الشورى: ١١].

  {جَنَّاتُ عَدْنٍ} قال الإمام القاسم # في تفسير {عَدْنٍ} هو: «مستقر وأمن» انتهى، وفي (مفردات الراغب): «{جَنَّاتُ عَدْنٍ} أي استقرار وثبات» انتهى، والمعنى واحد؛ لأن الخوف ينافي الاستقرار والمراد بالاستقرار: المدح للجنة، فالمراد: نفي ما ينافي الاستقرار في مجرى العادة، فالخوف في المحل يبعث على الانتقال منه كما يبعث عليه الجوع فيه والفقر الشديد والجدب في حق أهل الأنعام ... ونحو ذلك، فوصفه بالاستقرار يشير إلى سلامته من دواعي مغادرته.