التيسير في التفسير،

بدر الدين بن أمير الدين (المتوفى: 1431 هـ)

سورة البقرة

صفحة 50 - الجزء 1

  


  هذا ولسنا بمكلفين بعلم أسراره، والتكليف به خاص بمن يستطيعه، وأما الخرص والتخمين فليس من التفسير المقبول، وكذلك ما يروى من تفسيرها عن علي # بدون سند صحيح ولا وجه يوجب اعتماده، فلا يصح عندنا ولا نراه، وما روي عن الإمام الهادي #: من أن الله تعالى لم يطلع أحداً على معانيها، حتى أنه لم يطلع رسوله ÷، فهو قول عندي بعيد صحته عن الهادي #، والأقرب عنه # نفي التكليف لنا بعلمها فقط.

  (٢) {ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} قد تقدم في تفسير (الفاتحة) أن الهدى من أهم المطالب وأعظم النعم؛ لما يترتب عليه من النجاة من النار والفوز بالجنة والسعادة الأبدية، وهذه الآية الكريمة تدلنا على ما به نهتدي، وهو القرآن مع التقوى من حيث أنه الحق الذي لا ريب فيه ولا شك في انه صدق وحق وعدل، وأنه من الله {لاَ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ}⁣[فصلت: ٤٢] فلا يتعلق به الريب من أي جهة.

  والريب: هو القلق في النفس، فهو كناية عن نفي الشك فيه، وفي قوله: {الْكِتَابُ} تعبيراً عن القرآن إشارة إلى أنه نزل ليكتب ويبقى تتوارثه الأجيال ليهتدوا به، والراجح: أن قوله: {ذَلِكَ} مبتدأ و {الْكِتَابُ} خبر أول.

  وقوله: {لا رَيْبَ فِيهِ} خبر ثان وقوله: {هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} خبر ثالث، كقوله تعالى: {قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ}⁣[فصلت: ٤٤] وقد تضمن قوله تعالى: {هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} بيان: أن القرآن هدى لمن يهتدي به، وهو بداية الكلام في اختلاف المكلفين بين من يهتدي به ومن يكفر به ومن لا يؤمن به مع دعواه الإيمان، ثم بيان الحجة على أنه من الله نزله على عبده ورسوله، ثم الوعيد لمن كفر والوعد لمن آمن، فأول فرقة هم المتقون الذين يهتدون به.