سورة البقرة
  
  (٥) {أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ} أي أهل هذه الصفات المذكورة على هدىً من ربهم، وهذا الهدى خاص بهم، وهو إعدادهم للاهتداء بالقرآن، فصدورهم له مشروحة، وقلوبهم له مفتوحة، وبصائرهم منوّرة، قال تعالى: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ}[الأنعام: ١٢٥] وقال تعالى: {وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانَاً}[الأنفال: ٢] وقال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ}[الحديد: ٢٨] وهذا الهدى مسبب عن التقوى، وقد يحتج لذلك بقول الله تعالى: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى}[محمد: ١٧] وقوله تعالى: {وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى}[مريم: ٧٦].
  وعندي: أن هذا الهدى هو ما يفهمونه من القرآن ويحفظونه، ولكن بسبب الهدى الذي هو إعدادهم لفهم القرآن وحفظه كما يرشد إلى ذلك السياق، راجع (سورة مريم) و (سورة محمد) ÷.
  نعم الأَولى أن نفسر قوله تعالى: {أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ} بما يعم الأمرين: الهدى الذي هو إعدادهم للاهتداء به، والهدى الذي هو ما يفهمونه ويحفظونه من القرآن، وهذا هو الصواب إن شاء الله؛ لأنه كله فائدة التقوى، وفائدة الصفات المذكورة.
  {وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} بما يصيرون إليه في الآخرة من ثواب الله، بل وبما ينالون من الحياة الطيبة في الدنيا، فهم المفلحون بفوائد الاهتداء بالقرآن كلها، والفلاح: الظفر بالخير.
  قال في (الكشاف): «والمفلح الفائز بالبغية، كأنه الذي انفتحت له وجوه الظفر ولم تستغلق عليه» اهـ.