التيسير في التفسير،

بدر الدين بن أمير الدين (المتوفى: 1431 هـ)

سورة النساء

صفحة 9 - الجزء 2

  


  وقولهم: من غير استحقاق أرادوا ليس أجرا على عمل إلا هذا القول الأخير، ولا يستقيم في المهر؛ لأنه مستحَق، وقد سماه الله أجراً في قوله تعالى: {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً} وقولِه تعالى: {أَزْوَاجَكَ اللاَّتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ}⁣[الأحزاب: ٥٠] فلا بُد من أن أحدهما مجاز إما نحلة وإما أجورهن، وسواءٌ كانت نحلة حقيقة أم مجازاً فقد أفاد وجوبها على الزوج لا في مقابل خدمتها له، وأن تكون بطيبة نفس لأنها حق من الله، وأن لا يحوجها إلى المطالبة كما هو شأن النحلة أن يكون الباعث عليها الرغبةَ.

  {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ} مما ءاتيتموهن {نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا} سائغاً لا تنغيص فيه و {مَرِيئًا} مثله تأكيد، أو هو بمعنى: نافعاً مغذياً، بأن ينهضم بسهولة، وهو معنى قولهم: ما يحمد عاقبته، واستعمل الأكل في المهر مع أنه قد يكون فضة أو ذهباً أو حرثاً؛ لأن المراد أخذه والانتفاع به سواء كان مأكولاً أو غيره واستعمال الأكل فيه مجاز، و {هَنِيئًا مَرِيئًا} ترشيح.

  (٥) {وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا} {السُّفَهَاءَ} جمع سفيه، قال في (الصحاح): «السفه: ضد الحلم» انتهى، وفي (مفردات الراغب): «واستعمل في خفة النفس لنقصان العقل وفي الأمور الدنيوية والأخروية ...» إلى قوله: «... قال في السفه الدنيوي {وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ}» انتهى المراد.

  وقال الشرفي |، عن (البرهان) لأبي الفتح الديلمي #: «وأصل السفه خفّة الحِلم، فلذلك وصف به الناقص العقل، ووصف المفسد بذلك لنقصان تدبيره، ووصف الفاسق لنقصانه عند أهل الدين والعلم» انتهى المراد.