التيسير في التفسير،

بدر الدين بن أمير الدين (المتوفى: 1431 هـ)

سورة المائدة

صفحة 385 - الجزء 2

  الْخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَاأُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ١٠٠ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ


  (٩٩) {مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ} فقد بلغ الإنذار وبيان أسباب العقاب، وبلغ التبشير وأسباب الرحمة {وَاللَّهُ يَعْلَمُ} ما نعلن وما نخفي وإليه المرجع، وهو الذي يحاسب ويجازي، فعلينا أن نراقبه ونتقيه.

  (١٠٠) {قُلْ لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} لا يستوي الفاسق والمؤمن {أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لاَ يَسْتَوُونَ}⁣[السجدة: ١٨] {وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ} فليس له وزن عند الله بكثرته {فَاتَّقُوا اللَّهَ} لتكونوا طيبين {يَا أُولِي الْأَلْبَابِ} فبها تهتدون للتقوى، وهي حجة عليكم يوم القيامة، إن لم تتقوه {لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} تظفرون بالسعادة في الآخرة والنجاة من العذاب.

  وقد قال تعالى: {الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلاَئِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلاَمٌ عَلَيْكُمُ}⁣[النحل: ٣٢] {لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ}⁣[الأنفال: ٣٧] ولعل ارتباط قوله تعالى: {قُلْ لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ} بما قبلها لتأكيد {أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} وأنه {غَفُورٌ رَحِيمٌ} وأنه أرسل ليبلغ الإنذار والتبشير، وذلك لأنه حكيم لا يسوي بين المجرمين والمسلمين، بل لا بد من ثواب المطيع ولذلك فلا بد من الآخرة لتجزى كل نفس بما تسعى، فكان التصريح بأنه {لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ} تنبيهاً على أن الله العزيز الحكيم لا يسوِّي بينهما بترك الجزاء لهما معاً كما يظن الكافرون.