التيسير في التفسير،

بدر الدين بن أمير الدين (المتوفى: 1431 هـ)

سورة المائدة

صفحة 386 - الجزء 2

  الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ ١٠١ قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِهَا كَافِرِينَ ١٠٢ مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ


  (١٠١) {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآَنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ} الآية هذه أولها {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا} كما بدئت الآيات في هذه السورة بهذا المطلع الفاصل لما بعده عما قبله، والدال على استقلال ما بعده، وأنه موضوع جديد، والنهي عن السؤال عن أشياء وصفت بثلاث صفات:

  الأولى: قوله تعالى: {إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} فخرج السؤال عن ثواب الأعمال وعقوبات المعاصي ليرغَب في العمل الصالح ويتجنب المعاصي، ونحو ذلك السؤال عن الأحكام الشرعية.

  الثانية: قوله تعالى: {وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآَنُ تُبْدَ لَكُمْ} فإذا لم يكن حين ينزل القرآن فلا تبدى للسائل فلا بأس بذلك، وفي هذا دلالة على أنه إذا انقطع الوحي انقطع علم الغيب، وإذا انقطع وقت نزول القرآن فلا وحي، فبطل إثبات علم الغيب بالإلهام أو الاتصال بالرسول ÷ بعد وفاته ليخبر ببعض المغيبات.

  والصفة الثالثة: قوله تعالى: {عَفَا اللَّهُ عَنْهَا} فسترها رحمةً بعباده، وهذه تدل على أن الإخبار بما سئل عنه يستلزم الكشف عن رذيلة يفتضح بها صاحبها ويتألم بذلك السائل؛ لأن العفو يدل على أن المعفو عنه سوء، فظهر بهذه الصفات الثلاث أنها تجتمع في مثل سؤال بعضهم للنبي ÷ مَن أبي؟ فإذا اتفق أنه كان غير الذي ينتسب إليه ويظنه أباه وأنه كان لغير رِشدَة كان هذا هو المنهي عنه سؤاله.