التيسير في التفسير،

بدر الدين بن أمير الدين (المتوفى: 1431 هـ)

سورة المائدة

صفحة 387 - الجزء 2

  


  فإن قيل: النهي عن السؤال لما يحتمل هذا فهو خلاف ظاهر الآية أم لما يتحقق فيه فهو خلاف ما يفيده {إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} لأنه يفيد: أنه عند السؤال لم يبد لهم، فهو خفي عليهم غير محقق؟!

  قلنا: النهي عما هو في الواقع جامعٌ للثلاث الصفات، وذلك يستلزم اجتناب مظنة الوقوع فيه والمحتمل له؛ لأنه شبهة يقف عندها المؤمن، أو المراد به النهي عن مظنة وفائدة تعليق الحكم على الواقع: التنبيه على المفسدة في السؤال إذا اتفق جامعاً للصفات الثلاث.

  (١٠٢) {قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِهَا كَافِرِينَ} قال الراغب: «والسؤال إذا كان للتعريف تعدى إلى المفعول الثاني تارة بنفسه وتارة بالجار» انتهى.

  قلت: إذا تعدى بنفسه كان ذلك باعتبار المسئول عنه مطلوباً بالسؤال؛ لأنه أي السؤال طلب للجواب، وفي (الصحاح) أفاد نحو ما ذكره الراغب.

  وفي (لسان العرب): «قال ابن بري: سألته الشيء، بمعنى استعطيته إياه، قال الله تعالى: {وَلاَ يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ}⁣[محمد: ٣٦] وسألته عن الشيء: استخبرته» انتهى.

  قال في (الكشاف): «فإن قلت: كيف قال: {لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ} ثم قال: {قَدْ سَأَلَهَا} ولم يقل: (قد سأل عنها)؟

  قلت: الضمير في {سَأَلَهَا} ليس براجع إلى {أَشْيَاءَ} حتى تجب تعديته بـ {عَنْ} وإنما هو راجع إلى المسألة التي دل عليها {لا تَسْأَلُوا} يعني: قد سأل قوم هذه المسألة من الأولين {ثُمَّ أَصْبَحُوا بِهَا} أي بمرجوعها أو بسببها {كَافِرِينَ}» انتهى.