التيسير في التفسير،

بدر الدين بن أمير الدين (المتوفى: 1431 هـ)

سورة المائدة

صفحة 390 - الجزء 2

  حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ ١٠٤ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا


  الأنعام، وفيه رد على المجبرة الذين زعموا: أن أفعال العباد من الله، فعلى قولهم: هو الذي جعل بحيرة وسائبة ... إلخ؛ لأن فعل المشركين على قول المجبرة وفي مذهبهم من الله سبحانه وتعالى.

  وقوله تعالى: {وَأَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ} كقوله تعالى: {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ ...} الآية [الفرقان: ٤٤] أي لا يستعملون عقولهم ليعرفوا الحق، بل يهملونها، فلا يعقلون الحق، أي لا يفهمونه، بل هم {كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ}⁣[الأعراف: ١٧٩].

  (١٠٤) {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ} لتعرفوا حكم الله في الأنعام وغيرها في كتابه {وَإِلَى الرَّسُولِ} ليبين لكم حكم الله {قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا} قالوا: يكفينا ما وجدنا عليه آباءنا، فلا نحتاج إلى ما أنزل الله ولا إلى الرسول.

  {أَوَلَوْ كَانَ آَبَاؤُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ} أيكفيهم ما وجدوهم عليه ولو كانوا لا يعلمون شيئاً ولا يهتدون لحق؟! وهذا الرد كافٍ لإبطال دعواهم أنه يكفيهم سنة آبائهم؛ لأن ذلك لا يستند إلى حجة بلا احتمال جهل آبائهم واحتمال ضلالهم واقع لا شك فيه، فاستنادهم إليه مجرد تعصب لآبائهم بلا حجة، وعلى قولهم: يلزم احتمال أنهم على جهل وضلال مثل آبائهم.

  وهذا جواب حكيم بأسلوب جميل، وفيه دلالة على أن مجرد احتمال بطلان الدعوى يكفي في ردها لأن (لو) تستعمل في المحتمل النادر، مثل: للسائل حق ولو جاء على فرس، وبذلك كان الجواب في غاية الرفق بالجهلة المتعصبين لآبائهم.