الرسالة في نصيحة العامة،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

الباب الخامس عشر: في بيان ما يجب معرفته من أصول الدين

صفحة 123 - الجزء 1

  بغير حق، والزنا، والربا، والكفر، والفسق.

  والمقصود من الشرع شيئان: ما يجب فعله، وما يجب تركه.

  - والقسم الآخر: فرض على الكفاية: كالعلم بفروع الكلام، وكالعلم بفروع الشرع، فإذا قام به بعضهم سقط عن الباقين، وإن كان في الابتداء يجب على الكل.

  فصل: فأول ما يجب على المكلف النظر في الدليل؛ ليعرف الله - تعالى -، ثم يعرف صفاته وعدله، ثم يعرف النبوات والشرائع.

  فإن قيل: ولِمَ قلت إن النظر في معرفة الله - تعالى - أول الواجبات؟

  قيل له: لأن سائر الواجبات من العلم والعمل لا تصح إلا بمعرفة الله - تعالى -؛ لأنه إذا لم يعرف الله - تعالى - لم يمكن أن يعرف صفاته وعدله، والنبوات، والشرائع.

  فإن قيل: رد الوديعة وقضاء الدين وترك إرادة القبيح وإرادة النظر تجب قبل النظر فلِمَ قلتم إن أول الواجبات النظر؟

  قيل: مرادنا واحد يجب فعله ولا يخلو المكلف منه في حال من الأحوال، ورد الوديعة وقضاء الدين ربما يخلو المكلف من وجوبهما، وترك القبيح ليس بفعل واجب، فالواجب أن لا يفعل القبيح، وإرادة القبيح وإرادة النظر تبع حتى لو حصل النظر بغير إرادة لم تجب الإرادة.

  فصل: فإن قال: فما أول ما أنعم الله على العبد وما كمال نعمه؟

  قيل له: خلقه إياه حياً لينفعه، والمنفعة التي خلق المكلف لأجلها ثلاثة:

  أولها: التفضيل: وهو خلقه إياه حياً وإعطاءه الحواس، والآلة والقدرة، ورزقه من أنواع النعم، وخلق فيه الشهوة ومكّنه من أنواع اللذات، وأكمل عقله وكلّفه ليصل به إلى الجنة، فعند ذلك كله يلزمه معرفته؛ ليشكره على نعمه