الرسالة في نصيحة العامة،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

باب في صفات الصانع تعالى

صفحة 136 - الجزء 1

  وإذا كان موجوداً لا يخلو من أن يكون قديماً، أو محدثاً، لا يجوز أن يكون محدثاً؛ لأنه يحتاج إلى محدث ومحدثه يحتاج إلى محدث إلى ما لا يتناهى، وهذا محال، فثبت أنه قديم.

  فهذه الصفات واجبة لله - تعالى - لم يزل ولا يزال ولا يجوز خروجه منها، ولا يحتاج إلى قدرة وعلم وحياة وسمع وبصر، ويجب أن يكون قادراً على جميع المقدورات وعالماً بجميع المعلومات.

  والدليل على أنه - تعالى - لا يجوز أن يكون قادراً بقدرة وعالماً بعلم وحياً بحياة: أنه لو كان كذلك لم تخل هذه المعاني إما أن تكون معدومة، أو موجودة، وإذا كانت موجودة لا تخلو من أن تكون محدثة أو قديمة، لا يجوز أن يكون قادراً بقدرة معدومة وعالماً بعلم معدوم؛ لأنه لو كان كذلك لجاز أن يعجز بعجز معدوم ويجهل بجهل معدوم، وهذا محال، وما أدى إليه وجب أن يكون محالاً.

  ولا يجوز أن يكون قادراً بقدرة محدثة؛ لأنه قبل حدوث القدرة لا يكون قادراً ولم يصح منه إحداث القدرة فيؤدي إلى أن لا يكون قادراً أبداً؛ لأن كونه قادراً يكون موقوفاً على وجود القدرة، ووجود القدرة يكون موقوفاً على كونه قادراً، وهذا محال، فثبت أنه لا يجوز أن يكون على هذه الصفات لمعانٍ محدثة، وهي: القدرة والحياة والسمع والبصر والقِدَم، ولا يجوز أن يكون على هذه الصفات لمعانٍ قديمة.

  والدليل على ذلك: أنه لو كان قادراً بقدرة قديمة، عالماً بعلم قديم، حياً بحياة قديمة، سميعاً بسمع قديم، بصيراً ببصر قديم، فهذه المعاني يجب أن تكون أمثالاً للقديم - تعالى - وأشباهاً له؛ لأن القديم قديم لذاته فما شاركه في القدم يجب أن يكون مثلاً له، ويلزم عليه وجوهٌ من الفساد: