الرسالة في نصيحة العامة،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

باب في صفات الصانع تعالى

صفحة 139 - الجزء 1

  إنه (جسم) بمعنى أنه قائم بنفسه، لا يكون هذا بلغة العرب، ولو جاز ذلك لجاز للآخر أن يقول أُسمّيه (إنساناً)؛ لأنه عالم، وغير ذلك من الأسماء، وهذا بخلاف الدين.

  ويعلم أنه - تعالى -: ليس بجوهر؛ لأن الجوهر متحيز، والمتحيز لا يخلو من الكون، والكون عرض، والعرض محدث، وإذا لم يخل من المحدث يجب أن يكون محدثاً، ولا يجوز أن يكون - تعالى - عرضاً؛ لأن الأعراض كلها محدثة، وقد دللنا على أنه - تعالى - قديم.

  وإذا ثبت أنه - تعالى - ليس بجسم ولا جوهر ولا عرض، ثبت أن كل صفة تخص الجسم والعرض لا تجوز عليه - تعالى -، كالمكان والجهة، والمجيء والذهاب، والنزول والصعود، والفوق والتحت، والاستواء والانتقال، وقوله - تعالى -: {وَجَاءَ رَبُّكَ}⁣(⁣١) معناه: وجاء أمر ربك، وقوله - تعالى -: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ٥}⁣(⁣٢) المراد به: استولى، أي: قادر على خلق العرش والتصرف، وهذا مشهور في لغة العرب وأشعارهم كما قيل:

  قد استوى بِشْرٌ على العراق ... من غير سيف ودمٍ مهراق(⁣٣)

  والمراد: استولى، وقيل: هو العرش المعروف كما قال الله - تعالى -، وقيل: إن السموات والأرض مع عظمهما في جنب العرش كحلقة ملقاة في فلاة، فلذلك خصه الله - تعالى - بالذكر، قال - تعالى -: {رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ١٢٩}⁣(⁣٤)، فإذا كان قادراً على خلق العرش مع عظمته فأولى أن يكون قادراً على ما دونه،


(١) سورة الفجر: ٢٢.

(٢) سورة طه: ٥.

(٣) للشاعر البعيث بن بشر المجاشعي، وقيل للأخطل بن غالب المجاشعي.

(٤) سورة التوبة: ١٢٩.