الباب الخامس عشر: في بيان ما يجب معرفته من أصول الدين
  ويقولون: النور خير يفعل الخير ولا يحصل منه الشر، والظلمة شر تفعل الشر ولا يقع منه الخير، ولأن النور والظلمة جسمان، والأجسام كلها محدثة، والمحدث لا يحصل منه خلق الأجسام.
  وأيضاً: فإنه يجوز أن يحصل من النور الشر ويحصل من الظلمة الخير، كما أن ظالماً لو طلب مظلوماً لقتله فجنّ عليه الليل فلم يجده لكان ينجو، وإذا طلع القمر أو الفجر فوجده وقتله، فحصل من الليل وهو الظلمة الخير، وحصل من القمر أو الفجر وهو النور الشر، فبطل قولهم إن النور لا يحصل منه الشر، وإن الظلمة لا يحصل منه الخير.
  وأيضاً: فإنه يجوز أن يعصي العالم ويتوب العاصي، والعالم خير فحصل منه شر، والعاصي شر، فحصل من الشر خير.
  فإن أضاف المعصية إلى الظلمة، والتوبة إلى النور؟
  قلنا: فقد تاب غير من أذنب، وهذا محال.
  وأما قول النصارى: الذين قالوا: ثلاثة أقانيم قدماء: (الله - تعالى -، وعيسى، والكلمة) فيبطل قولهم بما قدمنا من ذلك التمانع.
  فإن قالوا: إن عيسى اتحد مع الله، ومعنى الاتحاد: هو أن يصير الشيئان شيئاً واحداً، فهذا ليس بمعقول؛ ولأن الاتحاد لا يصح إلا بالحلول، والحلول من صفة العرض، وعيسى كان جسماً، والله - تعالى - ليس بمحل حتى يحل فيه شيء، فبطل قولهم من كل وجه.
  ويبطل أيضاً بنفي الاثنين جميع الأقوال المتوسطات كعبدة الأصنام، والنجوم، والنار، ولأن الصنم والنجوم والنار؛ أجسام متماثلة، ولا يجوز أن تكون آلهة، ولأن هذه الأشياء جمادات لا تنفع فبما يستحقون العبادة؟!