الباب الخامس عشر: في بيان ما يجب معرفته من أصول الدين
  فإن قال: إذا كان الله - تعالى - موجوداً كان مرئياً؟
  قلنا: كثير من الموجودات لا يصح أن تُرى كالعلم، والقدرة، والحياة، والشهوة، والطعوم، والروائح وغيرها، وهو - تعالى - في هذه الصفة مخالف للأشياء، يرى ولا يُرى كما قال - تعالى -: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ}(١)، يُنوّم ولا ينام كما قال: {لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ}(٢)، وكما قال: {يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ}(٣)، فلو جاز أن يُرى وقد قال: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ} لكان قوله كذباً - تعالى - الله - وهذا باطل، وهو - تعالى - يرى بغير بصر، ويسمع بغير أذن، ويعلم بغير قلب، ويفعل بغير آلة؛ لأنه خالق هذه الأعضاء والحواس والآلات، فلو احتاج إلى هذه الأشياء لما قدر عليها كما لا نقدر عليها.
  ويعلم أنه - تعالى -: واحد لا ثاني له؛ لأنه لو كان معه ثانٍ وأراد أحدهما خلاف ما يريده الآخر كما أنه لو أراد أحدهما تحريك جسم والآخر تسكينه، أو أراد أحدهما حياة شخص والآخر موته، فلا يخلو من ثلاثة أوجه:
  - إما أن يوجد مرادهما وهذا محال؛ لأنه جمع الضدين.
  - أو لا يوجد مرادهما، وهذا أيضاً محال؛ لأنه يؤدي إلى أن يكونا عاجزين.
  - فلم يبق إلا أن يوجد مراد أحدهما دون الآخر، فمن وجد مراده فهو الإله، والآخر يكون عاجزاً، والعاجز لا يكون إلهاً.
  وبهذا القول يبطل قول الثنوية الذين يقولون: بالنور والظلمة، ويسمون النور (يزدان) والظلمة (اهرمن).
(١) سورة الأنعام: ١٠٣.
(٢) سورة البقرة: ٢٥٥.
(٣) سورة الأنعام: ١٤.