الرسالة في نصيحة العامة،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

باب العدل

صفحة 146 - الجزء 1

  فإن قالوا: هذا الذي بيننا محدث، ولكنه ليس بكلام الله - تعالى -، وكلامه - تعالى - قائم بذاته.

  قلنا: هذا ليس بمعقول ولا معلوم!

باب العدل

  العدل: هو الفعل الحسن، سواء كان نفعاً للمفعول به أو ضرراً.

  ولذلك يقال عقاب العصاة حسن؛ لأنه عدل من الله - تعالى -، وأفعال الله - تعالى - كلها عدل وتفضل، ولا يجوز أن يفعل الظلم والعبث.

  والدليل على أنه لا يجوز أن يفعل القبيح: أنه عالم بقبح القبيح، مستغن عنه، عالم باستغنائه عنه أبداً، ومن كان بهذه الصفة لا يكون له داعٍ إلى فعل القبيح فلا يفعله أبداً، ألا ترى أن أحدنا إذا كان بهذه الصفة لا يفعل القبيح، كما أن أحدنا لو خُيّر بين الصدق والكذب فقيل: لو صدقت نعطيك درهماً ولو كذبت أيضاً نعطيك درهماً، لاختار الصدق على الكذب لأن فائدتهما سواء، ويعلم أن الصدق حسن والكذب قبيح فاستغنى بالحسن عن القبيح، ألا ترى أنه لو لم يعلم قبح الكذب أو كان في الكذب زيادة نفع بأن قال: (إن صدقت نعطيك درهماً، وإن كذبت نعطيك دراهم كثيرة) يجوز أن يختار الكذب على الصدق؛ لزيادة النفع.

  فأما الحسن فقد يفعل لحاجة ويفعل للإحسان إلى الغير، ألا ترى أن أحدنا يرشد ضالاً ويفرق بين كونه محسناً أو مسيئاً من غير منفعة، ولكن يفعل ذلك لحسنه، فالله - تعالى - يفعل الحسن للإحسان إلى العبد؛ لأنه لا تجوز عليه المنافع والمضار، فأما القبيح فلا وجه في فعله إلا الجهل والحاجة، وقد ثبت أنهما لا يجوزان على الله - تعالى -، فلا يجوز أن يفعله - تعالى - في حالٍ من الأحوال.

  فإن قال: لا نقول إن الله - تعالى - يفعل القبيح، ولكن نقول إن القبيح يقبح منا؛ لأنا مملوكون، ولا يقبح منه - تعالى - بل يحسن منه؛ لأنه مالك.