الرسالة في نصيحة العامة،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

باب في خلق الأفعال

صفحة 147 - الجزء 1

  قلنا: القبيح قد يقبح لوجه يرجع إليه لا لوجه يرجع إلى الفاعل؛ لأنه يقع على وجه يكون قبيحاً، فمن أي فاعل وقع على ذلك الوجه كان قبيحاً سواء كان مالكاً أو مملوكاً، كما أن الظلم قبيح فمن أي فاعل وقع الظلم يكون قبيحاً، وكذلك الكذب يكون قبيحاً لكونه كذباً، فمن أي فاعل وجد يكون قبيحاً سواء كان مالكاً أو مملوكاً.

  وأيضاً: يجوز على أصلكم أن يظهر المعجز على أيدي الكذابين، ويعذب الأنبياء والمؤمنين، ويثيب الفراعنة والكافرين، ولا يقبح منه، ولو جاز ذلك لم نثق بقول الرسول وشككنا في الشريعة، ومن جوز ذلك فلا شك في خروجه من الدين.

  وأيضاً: لو كان القبيح قبيحاً للنهي لوجب أن يكون الحسن أيضاً حسناً للأمر، فإذا لم يكن القبيح قبيحاً من الله - تعالى - لأنه ليس بمنهي، وجب أن لا يحسن منه شيء؛ لأنه ليس بمأمور، ولا خلاف بين المسلمين أن أفعاله - تعالى - كلها حسنة، ولأنه لوكان القبيح قبيحاً للنهي لكان من لا يقر بالنهي لا يعرف قبح القبيح كالملحدة، ومعلوم ضرورة قبح الظلم والكذب والعبث وسائر القبائح في عقل كل عاقل، فعلمنا أن كون القبيح قبيحاً لأمر يرجع إليه، وهو كونه ظلماً وكذباً.

  فإن قال: يجوز أن يكون الشيء منا قبيحاً ومن الله - تعالى - حسناً كإيلام الغير والإمراض.

  قلنا: نجيب عن هذا السؤال من بعد إن شاء الله - تعالى -.

باب في خلق الأفعال

  اختلف الناس في خلق الأفعال على ثلاثة أقوال:

  [القول الأول]: قال جهم بن صفوان: هي مخلوقة لله لا تأثير للعبد فيها