الرسالة في نصيحة العامة،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

باب في الإرادة

صفحة 150 - الجزء 1

  والدليل على بطلان قولهم: أن إرادة القبيح قبيحة، فكما لا يجوز أن يفعل القبيح لا يجوز أن يريده، وأيضاً لا فرق بين أن يريد القبيح وبين أن يأمر به، فكما لا يجوز أن يأمر بالقبيح لا يجوز أن يريده، وقال - تعالى -: {وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ ٣١}⁣(⁣١)، وقال بعد ما عد المعاصي: {كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا ٣٨}⁣(⁣٢)، والإرادة والكراهة لا يجتمعان في شيء واحد.

  فإن قال: لو حصل شيء في الدنيا مما لا يريده الله - تعالى - لدل ذلك على عجزه.

  قلنا: هذا باطل بالأمر؛ لأنه أمر الكافر بالإيمان ولم يؤمن ولا يدل على عجزه، كذلك هذا، وأيضاً يدل على عجزه إذا كان له في وجوده قوة⁣(⁣٣) فإذا لم يكن له قوة لا يدل على عجزه، وهذا لا يجوز على الله - تعالى -.

  وقوله: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا}⁣(⁣٤)، أراد به مشيئة الإكراه يعني: إن شاء يكرههم على الإيمان لقدر عليه؛ ولذلك قال عقِبه: {أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ ٩٩}⁣(⁣٥).

  فإن قال: كيف تصفه بكونه مريداً؟

  قلنا: الله - تعالى - يخلق إرادة محدثة لا في محل ويصير بها مريداً.

  فإن قال: كيف إرادة لا في محل؟

  قلنا: لأن إرادة الباري لو كانت في محل فلا يخلو: إما أن يكون محلها الباري،


(١) سورة غافر: ٣١.

(٢) سورة الإسراء: ٣٨.

(٣) على نحو المغالبة.

(٤) سورة يونس: ٩٩.

(٥) سورة يونس: ٩٩.