باب في التكليف
  وهذا لا يجوز؛ لأنه - تعالى - ليس بجسم حتى يكون محلاً للإرادة، وإما أن يخلق إرادته في قلب أحدنا ويصير بها مريداً، وهذا أيضاً لا يجوز؛ لأن الإرادة إذا كانت في قلب أحدنا توجب الصفة له لا لله - تعالى -، أو يخلق الإرادة في جماد، وهذا أيضاً لا يجوز؛ لأن الجماد ليس بحي فلا يصح أن يخلق فيه الإرادة، فلم يبق إلا أن يخلق الإرادة لا في محل ويصير بها مريداً.
  وإرادة الله - تعالى - تكون مع الفعل لا تتقدمه، إذا أراد شيئاً يحدث الإرادة والمراد معاً وتعدم الإرادة؛ لأن البقاء لا يجوز على الإرادة والكراهة سواء كان من فعلنا أو من فعل الله - تعالى -.
باب في التكليف
  الله - تعالى - خلق الخلق؛ تعريضاً للثواب ليبلغهم إلى درجة في النعيم لا درجة فوقها، ولا يمكن وصولها إلا بالاستحقاق، ولا يستحقها إلا بالتكليف.
  والتكليف: أداء الواجبات، واجتناب المقبحات.
  واعلم أن التكليف نعمة من الله - تعالى - على العباد، ولذلك قال الله - تعالى -: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ٥٦}(١).
  فأما قوله - تعالى -: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ}(٢)، فالمراد بهذه الآية: لام العاقبة يعني خلقهم للجنة والثواب ولكن عاقبتهم المصير إلى جهنم بكفرهم وعصيانهم، ولام العاقبة معروفة في اللغة كما قال الله - تعالى -: {فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا}(٣)، وإنما التقطوه ليكون لهم فيه نفع، وقال الشاعر:
(١) سورة الذاريات: ٥٦.
(٢) سورة الأعراف: ١٧٩.
(٣) سورة القصص: ٨.