الرسالة في نصيحة العامة،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

باب في التكليف

صفحة 152 - الجزء 1

  لِدُوا للموتِ وابنُوا للخراب ... [فكلكُم يصيرُ إلى ذهابِ]

  وإنما يولد الولد للنفع ويبني للمنفعة، ولكن ذكر ذلك؛ لأن عاقبة الولد الموت، والبناء الخراب.

  وتكليف من يعلم أنه يكفر نعمه لأنه أعطاه الآلة، والقدرة، ومكنه، وأزاح علّته، لطف له، وهداه، وبعث الرسل، فمن كفر فمن جهة نفسه أُتي لا من قبل ربه، فاللوم عليه لا على المنعم، كمن قدم طعاماً إلى جائع فلم يأكل حتى مات، فاللوم عليه لا على من قدم إليه الطعام.

  وإذا كلّف الله - تعالى - العبد يجب⁣(⁣١) عليه أن يعطيه جميع ما يحتاج إليه من الآلة، والقدرة، والتمكين، وإزاحة العلة، واللطف.

  واللطف: «هو ما يكون العبد عند وجوده أقرب إلى فعل الطاعة».

  والتوفيق: «لطف يقارب الطاعة»، يعني تحصل الطاعة عند وجوده.

  والعصمة: «لطف - عندنا - يمنع عن المعصية بالاختيار لا بالإجبار».

  وإذا كان المعلوم من حال العبد أن له لطفاً لأداء الطاعة يجب⁣(⁣٢) على الله - تعالى - أن يفعله، وكذلك العصمة، واللطف على ثلاثة أوجهٍ:

  أحدها: من فعل الله - تعالى - كالصحة والمرض والغناء والفقر وغير ذلك، إذا كان فيه صلاح للعبد يجب على الله - تعالى - أن يفعله لا محالة، وإذا كان الصلاح في المرض والآلام يفعله لا محالة، ويعوض على الألم فيخرج الألم للمصلحة والاعتبار من كونه عبثاً، وبالعوض من كونه ظلماً.


(١) يعني أوجب على نفسه نحو قوله تعالى: {كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ٥٤}⁣[الأنعام].

(٢) يعني اللطف.