الرسالة في نصيحة العامة،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

باب في الآلام والأعواض

صفحة 156 - الجزء 1

  إحداهما: اعتبار المكلفين فتكون لطفاً لهم في الطاعات واجتناب المعاصي، فيخرج بالاعتبار من كونه عبثاً.

  ثم يعوض المؤلم عوضاً يوفي على الألم بحيث لو خُيّر المؤلم بين الألم والعوض، وبين العافية بغير عوض لاختار الألم لأجل ذلك العوض.

  ولا يجوز أن يؤلم للعوض؛ لأنه قادر على أن يوصله إلى ذلك العوض من غير ألم فإيصال الألم يكون قبيحاً، والأصل في إيصال الألم الاعتبار والمصلحة ولكن إذا آلمه للمصلحة فيجب أن يعوضه على ذلك؛ ليخرج من حد الظلم.

  والعوض على وجهين:

  أحدهما: على الله - تعالى -.

  - للآلام والأمراض التي تكون من جهته.

  - والثاني: ما يكون بأمره كذبح القربان وحدّ التائب.

  - والثالث: ما يكون بإباحته كذبح بهيمة الأنعام، فهذه الأعواض تجب على الله - تعالى -.

  والثاني: يجب على العبد، على الألم الذي يحصل من فعله إلى الغير كالظلم والقتل والضرر، وغير ذلك من الآلام.

  فأما الآلام التي تكون على الله - تعالى - فيجب أن يكون عوضها زائداً على الألم كما وصفنا، والذي يكون على العبد يجب أن يكون في مقابلة الألم ولا يكون زائداً عليه.

  ثم إن كان من يستحق العوض من أهل الجنة فالله - تعالى - يزيد في نعمه، وإن كان من أهل النار ينقص من عقابه بقدر عوضه، وقيل إن العوض يكون باقياً والصحيح أنه لا يكون باقياً والعوض لا يبطل بالعقاب بخلاف الثواب والعقاب، فإن الثواب يبطل بالعقاب والعقاب يبطل بالثواب.