الباب الخامس عشر: في بيان ما يجب معرفته من أصول الدين
  ولا يخفى عليه شيء، فأما إذا تغير أحد هذه الشروط فلا يكون بداء مثاله: أن ينهى هذا الغلام فقال: (لا تدخل السوق وقت الظهر، ولا تشتر لحم الغنم وقت الصباح) فهذا أيضاً لا يكون بداء؛ لأن النهي عن شراء لحم الغنم في هذا الوقت غير المأمور بشرائه، وهذا يكون نسخاً، والنسخ يجوز لأجل المصالح.
  فأما خبر موسى # كان على وجهين إما أن يكون غير صحيح؛ لأن موسى # ما كان يقول أن لا تقبلوا صاحب معجز يدعي النبوة؛ لأنه يكون طعناً في نبوته.
  فأما الدليل على صحة نبوة نبينا محمد ÷: أنه ادّعى النبوة، وأتى بالقرآن وقال: هذا القرآن معجز لي على صدق دعوتي، وتحدى به العرب وكاشفهم وهم كانوا أهل الفصاحة والبيان، وقال ائتوا بمثل هذا القرآن، فعجزوا عن الإتيان بمثله ومعارضته.
  فعلمنا أن تركهم معارضة القرآن لم يكن إلا لكون القرآن معجزاً وأنهم لم يعدلوا عن معارضته إلا للعجز؛ لأنهم كانوا حريصين على إبطال أمره وتهوين شأنه ولم يتم لهم ذلك إلا بمعارضة القرآن، فلو أمكنهم معارضته لما عدلوا عنها إلى المقاتلة وبذل المهج والأموال وقتل الآباء والأبناء والأقارب، ولا خلاف بين العقلاء أن معارضة الكلام أسهل من المقاتلة، فثبت عجزهم.
  وثبت أن القرآن معجزة، وأن محمداً رسول الله - تعالى -، وروي أنه كان لرسول الله ÷ ألف معجزة: كتسبيح الحصا في يده، وحنين الجذع، وفور الماء من بين أصابعه في سفر حتى شرب الجيش وسقوا الدواب وتوضؤوا وحملوا، ودعاءِ الشجرة فأجابته وجاءت إليه ثم قال: ارجعي، فرجعت إلى مكانها كما كانت، وأن الذئب كلمه، وغير ذلك، وأشبع من طعام واحد خلقاً كثيراً قيل كانوا ثلاثة آلاف رجل، وانشق القمر في السماء نصفين معجزة له من حيث رؤي أبو قبيس بينهما، وكثير من معجزاته التي دخلت في حدّ التواتر.