باب الوعد والوعيد
  والمعاصي على ثلاثة أوجهٍ: كفر، وفسق، وصغيرة، كما قال الله - تعالى -: {وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ}(١).
  والصغيرة مكفرة بشرط اجتناب الكبائر.
  وحدُّ الصغيرة: أن يكون عقابها أقل من ثواب فاعلها، فيسقط من الثواب بقدره ويكون مثاباً بقدر ما بقي من الثواب أبداً.
  والكفر: هو ما يستحق عليه العقاب العظيم الدائم بلا خلاف.
  وأما الكبيرة: كالسرقة من الحرز بمقدار عشرة دراهم من الفضة الخالصة أو زياده، أو مثقال من الذهب الخالص، والربا، والزنا، وشرب الخمر، وقتل النفس بغير الحق، وترك الصلاة، ومنع الزكاة، وغير ذلك كثير من المعاصي.
  فمن ارتكب كبيرة ومات بغير التوبة فإنه يستحق العقاب العظيم الدائم كما أخبر الله - تعالى - به، واختلفت المرجئة في عقاب صاحب الكبيرة:
  فقال بعضهم: يجوز أن لا يعاقبهم، وإن عاقبهم لا يكون عقابهم دائماً.
  وقال بعضهم: لا يستحق العقاب على الكبيرة مع الإيمان، وصاحب الكبيرة إن كانت له طاعة يستحق عليها الثواب فيحبط ثوابه في جنب عقاب معاصيه، ولكن يسقط بقدر الثواب ويكون معاقباً بما بقي من العقاب أبداً.
  والدليل على أن عقاب صاحب الكبيرة دائم أبداً: هو أن الله - تعالى - أمر بالحدود على وجه الجزاء والنكال كما قال - تعالى -: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ}(٢)، وكذلك أمر بحدّ الزاني، وشارب الخمر، وغير ذلك، فلو كان الإيمان يسقط عقاب الآخرة - مع عظمته - لكان ينبغي أن يسقط عقاب الدنيا؛ لأنه أقل، فلما لم يسقط عقاب
(١) سورة الحجرات: ٧.
(٢) سورة المائدة: ٣٨.