الرسالة في نصيحة العامة،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

الباب الخامس عشر: في بيان ما يجب معرفته من أصول الدين

صفحة 168 - الجزء 1

  حدود الدنيا دلّ على أنه لا يسقط عقاب الآخرة، وكذلك قوله - تعالى -: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا}⁣(⁣١)، وقال - تعالى -: {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ ١٣ وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ ١٤ يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدِّينِ ١٥ وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ ١٦}⁣(⁣٢)، وقال - تعالى -: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا}⁣(⁣٣)، وقال - تعالى -: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ٢٣}⁣(⁣٤)، وغير ذلك من آيات الوعيد، ولا يجوز خلاف ما قاله - تعالى -؛ قال الله - تعالى -: {مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ٢٩}⁣(⁣٥).

  باب المنزلة بين المنزلتين

  المكلفون على ثلاثة أقسامٍ:

  [الأول] منهم: من يستحق العقاب العظيم، وله أحكام، وهو الكافر، وأحكامه في الدنيا: تحريم مناكحته، وتحريم موارثته للمسلمين، وتحريم ذبائحهم، وتحريم دفنهم في مقابر المسلمين، وتوضع عليهم الجزية، وربما يقتل ويسبى أولاده وأهله، وغير ذلك من الأحكام تجري عليه.

  والثاني: المؤمن وهو من يستحق الثواب العظيم: وله في الدنيا أحكام: تجب مولاته وتعظيمه، وجميع أحكامه مخالفة لأحكام الكفار.

  والثالث: من يستحق عقاباً دون عقاب الكافر، وليس له ثواب المؤمن، بل أحبط ثوابه بالكبيرة، ليس بمؤمن ولا كافر، يقال له: فاسق وفاجر، له منزلة بين


(١) سورة النساء: ٩٣.

(٢) سورة الانفطار: ١٣ - ١٦.

(٣) سورة النساء: ١٤.

(٤) سورة الجن: ٢٣.

(٥) سورة ق: ٢٩.