الباب الأول: في مطلوب العقلاء
الباب الأول: في مطلوب العقلاء
  قد تقرر في عقل كل عاقل أن تحمل المشاق يحسن لوجهين:
  أحدهما: طلب المنافع.
  والثاني: دفع الضرر.
  وما يخرج من هذين الوجهين يعد لعباً ولهواً، وإذا كان النفع أعظم فتحمل المشاق في طلبه أكثر وأحسن، وإذا كان الضرر أعظم فتحمل المشاق في دفعه أكثر وأوجب، كما أن الملوك إذا طلبوا المملكة انظر كيف يتحملون المشاق لأجلها، ولو خشي العاقل من ضررٍ معلوم أو مظنون لأوجب على نفسه التحرز منه حتى لا يصل إليه ويأمن منه، ولطلب النفع يركب السفينة والبحر، ويقطع الأسفار البعيدة، ويتحملون المشقة لأجل مطلوبهم، ويختلف مطلوبهم بعضهم المال والربح، وبعضهم يطلب ضياعاً، وبعضهم يطلب ولاية، وبعضهم يطلب حرمة ومنزلة، وبعضهم يتحمل المشقة لأجل مخلوق أو لطلب امرأةٍ أو جارية، والعقلاء يستحسنون جميع ذلك.
  وكذلك يتحملون المشاق لدفع التعب والضرر عن النفس والأولاد والأهل والعيال، ولدفع الداء والعلة يشربون الأدوية المُرة الكريهة، ويسافرون ويمشون على الشوك حُفاةً، وفي المضال(١) والمفاوز(٢) يسعون في البرد والحر؛ لدفع الضر، ويبنون الحصون والقلاع على رؤوس الجبال، ويعدون الأسلحة وآلات الحرب، وينفقون الأموال الكثيرة؛ لدفع مضرة العدو، وكذلك الدهاقين(٣)
(١) الطرق غير المعلومة.
(٢) جمع مفازة، وهي المهالك.
(٣) الدهقان: بالكسر والضم: القوي على التصرف مع حدة، والتاجر، وزعيم فلاحي العجم، ورئيس الإقليم، معرب. المعجم الوسيط ص ١١٩٨.