الباب الثاني: في بيان النفع الذي يحسن طلبه والضرر الذي يحسن التحرز عنه
  مر بمقبرة وقال: «يا أهل القبور، أما الدور فقد سُكنت، وأما الأموال فقد قُسمت، وأما الأزواج فقد زُوجت، فهذا خبركم عندنا، فما خبرنا عندكم؟ ثم قال: لو أذن لهم في الكلام لقالوا: {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى}(١)»(٢)، وقال النبي ÷: «لا تزول قدما العبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه، وشبابه فيما أبلاه، وماله من أين جمعه وفيما أنفقه، وعن علمه ماذا عمل به»(٣)، وفي رواية «وعن حبنا أهل البيت»(٤).
  فإذا كان حال مطلوب الدنيا هكذا، ومع ذلك ترغب العقلاء في طلبه ويستحسنون ذلك، والمطلوب الآخر ثواب الجنة والنجاة من العقاب، والثواب يحصل فيه جميع أنواع ما يطلب العاقل ويرغب فيه من المنافع، والعقاب ضرر يحصل فيه جميع أنواع ما يتحرز العقلاء وغير العقلاء من المضار.
  أما الثواب ففيه:
  [الأول]: منفعة وراحة وسرور.
  والثاني: أنه خالص من الشوائب والمنغصات مثل النَصَب والخوف، والحزن كما قال - تعالى -: {لَا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ ٤٨}(٥)، وقال في آية أخرى: {لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ ٣٥}(٦).
  والثالث: أنه كثير لا نهاية له مع التعظيم والإجلال.
(١) سورة البقرة: ١٩٧.
(٢) شرح نهج البلاغة ج ١٨ ص ٣٢٢، تاريخ دمشق لابن عساكر ج ٥٨ ص ٨٠.
(٣) ترتيب الأمالي الخميسية ج ١ ص ٩٣، مسند البزار ج ٧ ص ٨٧، تفسير عبدالرزاق ج ٣ ص ٤٢٨.
(٤) المعجم الأوسط للطبراني ج ٩ ص ١٥٥، مختصر تاريخ دمشق ج ١٧ ص ٣٦٥.
(٥) سورة الحجر: ٤٨.
(٦) سورة فاطر: ٣٥.