الرسالة في نصيحة العامة،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

الباب الثاني: في بيان النفع الذي يحسن طلبه والضرر الذي يحسن التحرز عنه

صفحة 46 - الجزء 1

  فأما طلب الحرام وأسبابه وجمعه والسعي فيه والنفقة في طلبه فمذموم عند العقلاء وعاقبته عقاب، وكذلك ظلم الناس، وأخذ أموالهم بغير حق، وإيصال الضرر إليهم مذموم عند جمع العقلاء؛ لأن عاقبتها عقاب دائم، وإن كان في الحال راحة ومنفعة.

  وأما طلب الدنيا على وجهٍ يحل وجمعها بسبب حلال - وإن كان حسناً - فلها آفات كثيرة:

  أولها: طالبها لا يدري أنها تصل إليه أم لا، وربما لا تصل إليه ويضيع سعيه في طلبها.

  والثاني: أن طلبها مع التعب والمشقة والمحن الكثيرة.

  والثالث: أنها لا تكون خالصةً بل الغناء يكون مع الفقر، والحياة مع الموت، والسرور مع الحزن، والصحة مع المرض، والملك مع العزل.

  والرابع: لا تبقى وتفنى وتترك، كما أن من كان قبلنا جمعوها وتركوها وكان عاقبتهم الموت، وكذلك يكون آخر كل عمران الخراب، وآخر كل ملك الزوال والفناء، والملوك يذهبون ويتركون الملك، وأصحاب الأموال يموتون ويتركون الأموال، والكل يفنى كما قال الله - تعالى -: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ ٢٦ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ٢٧}⁣(⁣١)، وقال - تعالى -: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ}⁣(⁣٢) يعني إلا هو.

  يتعبون في جمع الأموال ويتركونها، ويُسألون بجمعها، وينتفع بها غيرهم كما قال الحكيم: «يا لها من حسرةٍ يترك كله ويُسأل عن كله»، وروي أن أمير المؤمنين #


(١) سورة الرحمن: ٢٦ - ٢٧.

(٢) سورة القصص: ٨٨.