الرسالة في نصيحة العامة،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

[ظهور الخلاف وحله]:

صفحة 60 - الجزء 1

  يخالف هذه الجملة يعرف إنه باطل، وكل مذهب يوافق تفصيله هذه الجملة يعرف أنه حق ودين الحق فيه، وما سواه من المذاهب محدث بدعة وضلالة وقال النبي ÷: «كل محدث بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلاله في النار»⁣(⁣١).

  ولا شبهة أن القول بأن العالم محُدث وله صانع مع القول بأنه قديم وليس له صانع لا يجوز أن يكونا صواباً وحقاً، ولا بد أن يكون الحق في واحد من القولين، ولهذا أصول الدين - التوحيد، والعدل - واحد بين الملائكة، والرسل، والإنس، والجن، لا يتغير ولا ينسخ بخلاف الشرائع؛ لأن الشرائع مصالح يجوز أن تتغير بالمكلف والزمان والمكان، فأما التوحيد والعدل فلم يزل كان واحداً لا يتغير أبداً، وذكرنا أن الحق ما كان تفصيله يوافق الجملة، والباطل ما كان تفصيله يخالف الجملة، وأنت إذا نظرت في مسألة مسألة تعرف بالحقيقة تفصيل مذهب من يوافق الجملة؛ لأن بيان تفاصيل جميع المسائل يطول.

  ومن قال: إن الله ليس كمثله شيء، ثم قال: إنه جسم، أو إنه في مكان، أو إنه على العرش، ناقض الجملة.

  وفي العدل: إذا قال: إن الله - تعالى - حكيم يفعل الحسن، ثم يقول: إنه يخلق الكفر، وعبادة الأوثان، وقتل الأنبياء في الكافر ثم يعاقبه عليه، ويأمره بالصلاة ويمنعه منها بأن لا يخلق فيه قدرة الصلاة، وينهى عن المعصية ويخلق فيه المعصية فقد ناقض الجملة.

  ومن قال: إن قول رسول الله ÷ حجة، ثم يجوز عليه الكفر، والكذب، ويقول: إن القرآن حجة وكلام الله، ثم يقول: هذه السور والآيات ليست بكلام الله - تعالى - وليست بمحدثة، ويقول: إن الله صادق،


(١) السنن الكبرى للنسائي ج ٢ ص ٣٠٨، صحيح ابن خزيمة ج ٣ ص ١٤٣، المعجم الكبير للطبراني ج ٩ ص ٩٧.