المطلب الأول في بيان ماهيته
  تبيان بالكسر في التاء وهو جار على غير قياسه. والقياس فيه فتحها كالتّهذار والتّلعاب والتّرداد. ولم يجيء كسره إلّا في بناءين: تبيان وتلقاء.
  قال الله تعالى: {تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ}[النحل: ٨٩] وقال تعالى: {وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقاءَ مَدْيَنَ}[القصص: ٢٢] فهذا تقرير ما يفيد أنه في وضع اللغة.
  المجرى الثاني في مصطلح النظّار من أرباب هذه الصناعة ولهم فيه تصرّفان، التصرف الأول فيما يفيده كلّ واحد منهما على انفراده من غير انضمامه وتركيبه إلى الآخر فنقول:
  المفهوم من قولنا علم المعاني أنها المقاصد المفهومة من جهة الألفاظ المركبة لا من جهة إعرابها. وحاصل ما قلناه يرجع إلى البلاغة، لأن المعاني إنما تكون واردة في الكلم المركبة دون المفردة.
  فإذا قلنا: علم المعاني فالمقصود علم البلاغة على أساليبها وتقاسيمها. والمفهوم من قولنا علم البيان هو الفصاحة، وهي غير مقصورة على الكلم المفردة دون المركبة.
  فعلم المعاني وعلم البيان يرجعان في الحقيقة إلى علم البلاغة والفصاحة. هذا إذا أردنا تعريف كل واحد منهما على انفراده بماهيّة نخصّه على ما قرّرناه. وسيأتي لهذا مزيد تقرير في مقدّمة على حدتها نذكر فيها ماهية البلاغة والفصاحة، والتفرقة بينهما. فآل الأمر إلى أن علم المعاني هو العلم بأحوال الألفاظ العربية المطابقة لمقتضى الحال من الأمور الإنشائية والأمور الطلبية وغيرهما.
  وأنّ علم البيان حاصله إيراد المعنى الواحد بطرق مختلفة في وضوح الدلالة عليه كالاستعارة والكناية والتشبيه وغيرها.
  التصرف الثاني
  إذا أردنا أن نجمعهما في ماهيّة واحدة وفيه صعوبة لأنهما حقيقتان مختلفتان كما أسلفنا تقريره، فإذا كان الأمر فيهما كما قلناه الاختلاف في الماهية فالأولى إفراد كلّ واحد منهما بماهية تخصّه كما أوضحناه من قبل؛ لأن الحقائق إذا كانت مختلفة في ماهيّاتها فإنه يستحيل اندراجها تحت حدّ واحد وماهيّة واحدة؛ لأن فصل إحداهما مفقود في الأخرى، فلأجل هذا تعذّر إدراجهما في حدّ واحد، لكنا نشير إلى ما يمكن في ذلك. وحقّ الفاصل أن يأتي بالممكن فنقول: ما يجمعهما في ماهية واحدة نذكر منه تعريفات ثلاثة.