القسم الأول ما يتعلق بالحقيقة على الخصوص
  ذلك هو أن الحقيقة استعمال اللفظ في موضوعه الأصلي، فإذن الحقيقة لا تكون حقيقة إلّا إذا كانت مسبوقة بالوضع الأول، والمجاز هو المستعمل في غير موضوعه الأصلي، فيكون أيضا مسبوقا بالوضع الأول. فثبت بما ذكرناه أن الشرط في كون اللفظ حقيقة، أو مجازا، حصول الوضع الأول وعلى هذا يجب أن يكون الوضع الأول خاليا عن الحقيقة والمجاز لما ذكرناه.
الحكم الثاني [في أن الحقائق العرفية من ضرورتها أن تكون مسبوقة بالوضع اللغوىّ]
  اعلم أن الحقائق العرفية من ضرورتها أن تكون مسبوقة بالوضع اللغوىّ، لأنها فيما ذكرناه في استعمالها في مجاريها العامّة، والخاصّة، أمّا قصر الاسم على بعض مسمياته، فلا بدّ فيه من سبق وضع عامّ، وأمّا سبق المجاز إلى الفهم فيكون حقيقة، وهكذا حال ما يجرى في الاستعمال الخاص، فإنه لا بدّ من أن يكون مسبوقا بالوضع اللغوىّ حتى يحصل في العرف مقصورا على بعض مجاريه. فعرفت بما حققناه أنه لا بدّ من صيرورة ما يكون حقيقته عرفية من سبق الوضع اللغوىّ عليها. فإذن الحقيقة اللغوية متوقفة على الوضع بالأصالة، والحقيقة العرفية متوقفة على الوضع اللغوىّ الذي تكون فيه حقيقة. فهو المتوقف على الوضع بالأصالة.
الحكم الثالث في الحقائق الشرعية
  اعلم أن النقل في الحقائق الشرعية، والدينية، لا بدّ من أن يكون مسبوقا بالوضع اللغوىّ، وهو خلاف الأصل لا محالة، لأنه متوقّف على سبق الوضع في اللغة، والوضع اللغوىّ ليس مسبوقا بغيره، فلهذا قلنا إنه على خلاف الأصل ويتفرّع على القول بصحة النقل فروع ثلاثة:
  الفرع الأول
  منها لا شك في جرى التواطؤ في الألفاظ الشرعية، كالإيمان والإسلام فإنهما يطلقان على أعمال مختلفة كالأقوال والأفعال والاعتقادات باعتبار أمر يجمعها، وهو التصديق والانقياد، وهذا هو المعتبر في جرى الألفاظ المتواطئة، كقولنا: الإنسان، والحيوان، فإنها تطلق باعتبار أمر جامع لها مع اختلاف أعيانها وأفرادها، وذلك الأمر هو الإنسانيّة، والحيوانية، ولا خلاف في هذا، إنما الخلاف في جرى الأسماء المشتركة، في الألفاظ الشرعية. منعه بعضهم والحقّ جوازه ووقوعه. والذي يدلّ على ذلك ما تعلمه في لفظ