القسم الثالث في بيان الإيجاز من غير حذف فيه
  ومن ذلك ما قاله أبو تمام(١):
  وإن الغنى لي إن لحظت مطالبى ... من الشعر إلا في مديحك أطوع
  فقد اشتمل على اعتراضين، أحدهما قوله إن لحظت مطالبى، والآخر قوله «إلا في مديحك» والمعنى في البيت كله أن الغنى أطوع لي من الشعر لو لحظت مطالبى، وقوله إلا في مديحك، جاء بالجملة الاستثنائية مقدمة، وموضعها التأخير، فاعترض بها بين الجملة الشرطية، وخبر إن، والمراد من هذا هو أن مطالبه من الشعر إذا لحظ نجاحها فالغنى بها أسهل من الشعر في مدح كل أحد إلا في مديحك، فإن الشعر أسهل علىّ، وهذا من محاسن ما يوجد في الاعتراض، ومن ذلك قول كثيّر عزة:
  لو أن الباخلين وأنت منهم ... رأوك لعلّموا الناس المطالا
  فقوله: «وأنت منهم»، اعتراض بين لو وجوابها، وفائدته التصريح بما هو المقصود من ذمّه وتأكيد انصراف الذم إليه، ومنه قول أبى تمام(٢):
  رددت رونق وجهي في صحيفته ... ردّ الصقال بهاء الصارم الخذم
  وما أبالي وخير القول أصدقه ... حقنت لي ماء وجهي أم حقنت دمى
  فقوله «وخير القول أصدقه» من الاعتراض الرائق وفائدته تحقيق المماثلة بين صيانة الوجه وحقن الدم.
«الضرب الثاني» «من الاعتراض» وهو الذي يأتي لغير فائدة،
  ثم هو على وجهين،
الوجه الأول منهما أن يكون غير مفيد لكنه لا يكسب الكلام حسنا ولا قبحا،
  وهذا كقول زهير(٣):
  سئمت تكاليف الحياة ومن يعش ... ثمانين حولا لا أبا لك يسأم
  فقوله «لا أبا لك» من الاعتراض الذي ليس فيه فائدة توكيد، وليس فيه قبح، وهكذا
(١) البيت لأبى تمام، وهو في ديوانه ص ١٨١.
(٢) البيت لأبى تمام، وهو في ديوانه / ٢٧٣، ضمن أبيات يمدح فيها أبا سعيد، محمد بن يوسف.
(٣) البيت لزهير بن أبي سلمى، وهو في ديوانه / ٧٥، من معلقته التي يمدح فيها هرم بن سنان والحارث بن عوف.